التصنيفات
القران الكريم

نظمُ " مُقدِّمَة في أُصُولِ التَّفسِيرِ " لشَيخِ الإسلام ابن تَيميَّةَ ||-القران وعلو

تعليمية تعليمية

نظمُ " مُقدِّمَة في أُصُولِ التَّفسِيرِ " لشَيخِ الإسلام ابن تَيميَّةَ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه هي تحفة النحرير من مقدمة التفسير وهي عبارة عن نظم لمقدمة التفسير لشيخ الإسلام إبن تيمية نظم الشيخ محمد حماد بن سيدي الجكني الشنقيطي حفظه الله تعالى

الحمدُ للهِ الذي قـَدْ جَمَعَـَا … في ذِكرِهِ كُلَّ العُلُومِ وَدَعَا

إلى تَدَبُّرِ الكتَابِ المُحكَـمِ … لأنَّهُ يَهدِي لدِينٍ قَيِّـمِ
صَلَّى وَسَلَّـم على مَن بَيَّنَا … بِالقَولِ والفِعلِ مُرَادَهُ لَنَا

الملفات المرفقة تعليمية تحفة النحرير.doc‏ (421.5 كيلوبايت)

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

السلفية منهج الإسلام وليست دعوى تحزب وتفرق وفساد

السلفية منهج الإسلام وليست دعوى تحزب وتفرق وفساد

الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فقد وردَ على هذا الموقعِ الدعويِّ انتقادٌ آخرُ من النوع الذي قد سبق، يحمل في طيَّاته شبهاتٍ مكذوبةً على الدعوةِ السلفيةِ بأنها دعوةٌ حزبيةٌ مفرِّقةٌ مبتدعة، تجرُّ الفتنَ، وأنّ التغيير لا يحصل بالفتنة، وقد رأيت من المفيد أن أردّ على شبهاته المزعومةِ ومفاهيمِه الباطلة بتوضيحها بالحقّ والبرهان، عملاً بقوله تعالى: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالحَقِّ عَلَى البَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18].
[وهذا نصّ انتقاده]:
«السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛
أراسلُكَ وأنا أعلم يقينًا بأنَّ الشيخ فركوس عبدٌ من عباد الله ونحسبُك من المتقين.
1 – إطلاق لفظ السلفية على الفرقة الناجية ألا يُعتبر هذا حزبيةً، وأنت تعلم أنّ القرآن فيه لفظ الإسلام كما قال الله تعالى: ﴿تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ﴾ [يوسف: 101].
2 – لا أشكّ أنّ كثيرًا من المسلمين يعتقدون أنّ السلفيَّ هو لِحيةٌ وقميص، وماذا عن حالق لحيته ألا يدخل الجنّة حنفي…؟! إنّ اسمَ السلفية فرّقت فأبصر..! ما هو الدليل القاطع على وجوب التسمية للفرقة الناجية؟
إنّ التغيير لا يكون بالدخول في الفتن أي الشبهات، ولو يجلس الشيخ فركوس في مسجده لكان خيرًا له وما النصر إلاّ من عند الله ومن سمَّع سمَّعَ اللهُ به، ﴿مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90]».

• فأقـول -وبالله التوفيق وعليه التكلان-:
إنّ السلفيةَ تُطلَقُ ويرادُ بها أحد المعنيين:
الأول: مرحلةٌ تاريخيةٌ معيّنةٌ تختصُّ بأهل القرون الثلاثة المفضّلة، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»(١) وهذه الحِقبة التاريخيةُ لا يصحُّ الانتساب إليها لانتهائها بموت رجالها.
والثاني: الطريقةُ التي كان عليها الصحابةُ والتابعون ومَن تبعهم بإحسان من التمسّك بالكتاب والسُّـنَّة وتقديمهما على ما سواهما، والعمل بهما على مقتضى فهم السلف الصالح، والمراد بهم: الصحابة والتابعون وأتباعهم من أئمّة الهدى ومصابيحِ الدُّجَى، الذين اتفقتِ الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، وتَلَقَّى المسلمون كلامَهم بالرِّضا والقَبول كالأئمّة الأربعة، والليثِ بنِ سَعْدٍ، والسُّفيانَين، وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، والبخاريِّ، ومسلمٍ وغيرِهم، دون أهلِ الأهواء والبدعِ ممّن رُمي ببدعة أو شهر بلقبٍ غيرِ مرضيٍّ، مثل: الخوارج والروافض والمعتزلة والجبرية وسائر الفرق الضالَّة. وهي بهذا الإطلاق تعدُّ منهاجًا باقيًا إلى قيام الساعة، ويصحّ الانتسابُ إليه إذا ما التُزِمت شروطُهُ وقواعِدُهُ، فالسلفيون هم السائرون على نهجهم المُقْتَفُونَ أثرَهم إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومَن عليها، سواء كانوا فقهاءَ أو محدّثين أو مفسّرين أو غيرَهم، ما دام أنهم قد التزموا بما كان عليه سلفُهم من الاعتقاد الصحيح بالنصّ من الكتاب والسنّة وإجماع الأمّة والتمسّك بموجبها من الأقوال والأعمال لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(٢) ومن هذا يتبيّن أنّ السلفيةَ ليست دعوةً طائفيةً أو حزبيةً أو عِرقيةً أو مذهبيةً يُنَزَّل فيها المتبوعُ مَنْزِلةَ المعصوم، ويتخذ سبيلاً لجعله دعوة يدعى إليها، ويوالى ويعادى عليها، وإنما تدعو السلفيةُ إلى التمسُّك بوصية رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم المتمثِّلة في الاعتصام بالكتاب والسُّنَّة وما اتفقت عليه الأمّة، فهذه أصولٌ معصومة دون ما سواها.
وهذا المنهج الربانيُّ المتكاملُ ليس من الحزبية الضيّقةِ التي فرّقت الأمّةَ وشتّتت شملَها، وإنما هو الإسلام المصفَّى، والطريقُ القويمُ القاصدُ الموصلُ إلى الله، به بعث اللهُ رسلَه وأنزل به كتبَه، وهو الطريقُ البيِّنةُ معالِمُه، المعصومةُ أصولُه، المأمونةُ عواقِبُه؛ أمّا الطرقُ الأخرى المستفتحة من كلّ باب فمسدودة، وأبوابها مغلقة إلاّ من طريق واحد، فإنه متّصلٌ بالله موصولٌ إليه، قال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام: 153]، وقال ابنُ مسعودٍ رضي الله عنه: «خطّ لنا رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم خطَّا ثمّ قال: «هَذَا سَبِيلُ اللهِ» ثم خطّ خطوطًا عن يمينه وشماله، ثمّ قال: «هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾(٣) وقد جاء في «تفسير ابنِ كثيرٍ»(٤- [2/191]): «أنّ رجلاً سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه: ما الصراطُ المستقيم؟ قال: تَرَكَنَا محمّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم في أدناه وطرفه في الجنة، وعن يمينه جوادٌّ(٥- الجوادُّ: جمع جادّة، وهي معظم الطريق، وأصل الكلمة من جدَدَ. [«النهاية» لابن الأثير: 1/313]) وعن يساره جوادٌّ، ثمّ رجال يدعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجواد انتهت به إلى النار، ومن أخذ على الصراط انتهى به إلى الجنة، ثمّ قرأ ابن مسعود الآية».
وعليه يُدرك العاقلُ أنه ليس من الإسلام تكوين أحزابٍ متصارعةٍ ومتناحرةٍ ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ [المؤمنون: 53]، فقد ذّمّ الله التحزّب والتفرّق في آياتٍ منها: قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ [الأنعام: 159]، وفي قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ﴾ [آل عمران: 105]، وإنما الإسلام حزب واحد مفلح بنصّ القرآن، قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة: 22]، وأهلُ الفلاح هم الذين جعل الله لهم لسانَ صِدْقٍ في العالمين، ومقامَ إحسانٍ في العِلِّـيِّين، فساروا على سبيل الرشاد الذي تركنا عليه المصطفى صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الموصلِ إلى دار الجِنان، بيِّنٌ لا اعوجاجَ فيه ولا انحرافَ قال صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى البَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِها لاَ يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلاَّ هَالِكٌ»(٦).
واللهُ سبحانه وتعالى إِذْ سَمَّى في كتابه الكريمِ الرعيلَ الأوَّلَ ﺑ «مسلمين» لأنّ هذه التسميةَ جاءت مطابقةً لما كانوا عليه من التزامهم بالإسلام المصفّى عقيدةً وشريعةً، فلم يكونوا بحاجةٍ إلى تسميةٍ خاصّةٍ إلاّ ما سمّاهم اللهُ به تمييزًا لهم عمّا كان موجودًا في زمانهم من جنس أهل الكفر والضلال، لكن ما أحدثه الناس بعدهم في الإسلام من حوادث وبدع وغيرها ممَّا ليس منه، سلكوا بها طرق الزيغ والضلال، فتفرّق بهم عن سبيل الحقّ وصراطه المستقيم، فاقتضى الحال ودعت الحاجة إلى تسميةٍ مُطابقةٍ لِمَا وَصَفَ به النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم الفرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(٧) ومتميّزة عن سُبُل أهل الأهواء والبدع ليستبين أهل الهدى من أهل الضلال. فكان معنى قوله تعالى: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ﴾ [الحج: 78]، إنما هو الإسلام الذي شرعه الله لعباده مجرّدًا عن الشركيات والبدعيات، وخاليًا من الحوادث والمنكرات في العقيدة والمنهج، ذلك الإسلام الذي تنتسب إليه السلفية وتلتزم عقيدتَه وشريعتَه وتؤسِّسُ دعوتَها عليه، قال ابن تيمية -رحمه الله-: «لا عيبَ على مَن أظهر مذهبَ السلفِ وانتسبَ إليه واعتزى إليه، بل يجب قَبول ذلك منه باتفاق، فإنّ مذهبَ السلفِ لا يكون إلاّ حقًّا»(٨- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (4/149)).
هذا، وللسلفية ألقابٌ وأسماءٌ يُعرفون بها، تنصب في معنى واحد، فهي تتفق ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف، منها: «أصحاب الحديث والأثر» أو «أهل السُّنَّة»، لاشتغالهم بحديث رسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وآثارِ أصحابه الكرام رضي الله عنهم مع العمل على التمييز بين صحيحِها وسقيمها وفهمها وإدراك أحكامها ومعانيها، والعملِ بمقتضاها، والاحتجاجِ بها، وتسمى ﺑ «الفرقة الناجية» لأنّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «إِن بَني إِسرائيلَ افْتَرَقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّة، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلّها في النّارِ إلا مِلَّة واحدة» فقيل له: ما الواحدة؟ قال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيومَ وَأَصْحَابي»(٩) وتسمى -أيضًا- ﺑ «الطائفة المنصورة»، لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»(١٠) . وتسمى ﺑ «أهل السُّنَّة والجماعة» لقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»(١١) وقوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلاَّ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»(١٢)، وفي قوله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ»(١٣)، والمراد بالجماعة هي الموافقةُ للحقّ الذي كانت عليه الجماعةُ الأولى: جماعةُ الصحابة رضي الله عنهم، وهو ما عليه أهلُ العلم والفقه في الدِّين في كلّ زمان، وكلُّ من خالفهم فمعدود من أهلِ الشذوذ والفُرقة وإن كانوا كثرة قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إِنَّ جُمْهُورَ النَّاسِ فَارَقُوا الجَمَاعَةَ، وَإِنَّ الجَمَاعَةَ مَا وَافَقَ الحَقَّ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ»(١٤) والنبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وصف الفِرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»(١٥) وهذا التعيين بالوصف يدخل فيه النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه دخولاً قطعيًّا ولا يختصّ بهم بل هو شاملٌ لكلّ من أتى بأوصاف الفِرقة الناجية إلى أن يرث اللهُ الأرضَ ومن عليها.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- في معرض تعيين الفرقة الناجية: «وبهذا يتبيّن أنّ أحقّ الناس بأن تكون هي الفرقة الناجية: أهل الحديث والسنّة، الذين ليس لهم متبوع يتعصّبون له إلاَّ رسولَ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزًا بين صحيحها وسقيمها، وأئمّتهم فقهاء فيها، وأهل معرفة بمعانيها واتباعًا لها: تصديقًا وعملاً وحبًّا وموالاةً لمن والاها ومعاداة لمن عاداها، الذين يروون المقالات المجملةَ إلى ما جاء به من الكتاب والحكمة، فلا يُنَصِّبُون مقالةً ويجعلونها من أصول دينهم وجُمل كلامهم إن لم تكن ثابتةً فيما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم بل يجعلون ما بعث به الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من الكتاب والحكمة هو الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه»(١٦- «مجموع الفتاوى لابن تيمية»: (3/347)).
هذا، ولا يعاب التسمي ﺑ «السلفية» أو ﺑ «أهل السنة والجماعة» أو ﺑ «أهل الحديث» أو ﺑ «الفِرقة الناجية» أو «الطائفة المنصورة»؛ لأنه اسم شرعيٌّ استعمله أئمة السلف وأطلقوه بحسَب الموضوع إما في مقابلة «أهل الكلام والفلسفة» أو في مقابلة «المتصوفة والقبوريين والطُّرُقيِّين والخُرافِيِّين» أو تُطلق بالمعنى الشامل في مقابلة «أهل الأهواء والبدع» من الجهمية والرافضة والمعتزلة والخوارج والمرجئة وغيرِهم. لذلك لما سُئل الإمام مالك -رحمه الله- مَن أهلُ السُّنَّة؟ قال: «أهل السُّنَّة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لا جهمي ولا قدري ولا رافضي»(١٧- «الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء» لابن عبد البر: (35)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: (1/172))، ومراده -رحمه الله- أنّ أهل السُّنَّة التزموا الأصلَ الذي كان عليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأصحابُه، وبقوا متمسّكين بوصيّته صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم من غير انتساب إلى شخص أو جماعة، ومن هنا يُعلم أنّ سبب التسمية إنما نشأ بعد الفتنة عند بداية ظهور الفِرق الدينية ليتميّز أهلُ الحقّ من أهل الباطل والضلال، وقد أشار ابنُ سيرين -رحمه الله- إلى هذا المعنى بقوله: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعتِ الفتنةُ، قالوا: سمّوا لنا رجالَكم، فيُنظَرُ إلى أهل السُّنَّة فيؤخذ حديثُهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثُهم»(١٨) هذا الأمر الذي دعا العلماءَ الأثباتَ والأئمّةَ الفحولَ إلى تجريد أنفسهم لترتيب الأصول العظمى والقواعدِ الكبرى للاتجاه السلفي والمعتقد القرآني، ومن ثمَّ نسبته إلى السلف الصالح لحسم البدعة، وقطع طريق كلّ مبتدع. قال الأوزاعي -رحمه الله-: «اصبر نفسك على السنّة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكفّ عمّا كَفُّوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم»(١٩)
هذا، والسلفية إذ تحارب البدعَ والتعصّبَ المذهبيَّ والتفرّقَ إنما تتشدّد في الحقّ والأخذ بعزائم الأمور والاستنان بالسنن وإحياء المهجورة منها، فهي تؤمن بأنّ الإسلامَ كُلَّه حقٌّ لا بـاطل فيه، وصِدق لا كذب فيه، وَجِدٌّ لا هزل فيه، ولُبٌّ لا قشورَ فيه، بل أحكامُ الشرع وهديُه وأخلاقُه وآدابُه كلُّها من الإسلام سواء مبانيه وأركانه أو مظاهره من: تقصير الثوب وإطالة اللحية والسواك والجلباب، ونحو ذلك كلّها من الدِّين، والله تعالى يأمرنا بخصال الإسلام جميعًا وينهانا عن سلوك طريق الشيطان، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ [البقرة: 208]، وقد ذمَّ الله تعالى بني إسرائيلَ الذين التزموا ببعض ما أُمروا به دون البعض بقوله تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ﴾ [البقرة: 85]. والحكم المسبق على المعيّن بدخول النار والمنعِ من دخول الجنة بتركه للهدي الظاهري للإسلام ليس من عقيدة أهل السنة لكونه حكمًا عينيًّا استأثر الله به، لا يشاركه فيه غيره، وقد بين الله سبحانه وتعالى أنّ استحقاق الجنة ودخولها إنما يكمن في إخلاص العبادة لله سبحانه واتباع نبيه صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وقد ذمَّ الله تعالى مقالة أهل الكتاب في قوله تعالى: ﴿وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة: 111-112]،
فالسلفيةُ لا تهوِّن من شأن السنّة مهما كانت، فلا تهدر من الشرع شيئًا ولا تهمل أحكامَه، بل تعمل على المحافظة على جميع شرعه: علمًا وعملاً ودعوةً قَصْدَ بيانِ الحقّ وإصلاحِ الفساد، وقد أخبر النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم عن الغرباء: «الَّذِينَ يَصْلُحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ»(٢٠)
والسلفيةُ ليست بدعوةٍ مُفرِّقة، وإنما دعوة تهدف إلى وحدة المسلمين على التوحيد الخالص، والاجتماع على متابعة الرسول صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم والتزكيةِ بالأخلاق الحسنة، والتحلي بالخصال الحميدة، والصدعِ بالحقّ وبيانِه بالحجّة والبرهان، قال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: 29]، فقد كان من نتائج المنهج السلفي: اتحاد كلمة أهل السُّنَّة والجماعة بتوحيد ربهم، واجتماعهم باتباع نبيِّهم، واتفاقهم في مسائل الاعتقاد وأبوابه قولاً واحدًا لا يختلف مهما تباعدت عنهم الأمكنة واختلفت عنهم الأزمنة، ويتعاونون مع غيرهم بالتعاون الشرعي الأخوي المبني على البرّ والتقوى والمنضبط بالكتاب والحكمة.
هذا، والسلفية تتبع رسولها في الصدع بكلمة الحقّ ودعوة الناس إلى الدين الحقّ، قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: 44]، والبقاء في البيوت والمساجد من غير تعليم ولا دعوة إخلالٌ ظاهر بواجب الأمانة وتبليغ رسالات الله، وإيصال الخير إلى الناس، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران: 187]، فيجب على الداعية أن يدعو إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على علم ويقين وبرهانٍ على نحو ما دعا إليه رسولُ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، قال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [يوسف: 108]، والعلم إذا لم يَصْحَبْهُ تصديقٌ ولم يؤازِرْهُ عملٌ وتَقْوَى لا يُسَمَّى بصيرةً، فأهلُ البصيرةِ هم أولوا الألباب كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ القَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 18].
ومن منطلق الدعوة إلى الإسلام المصفّى من العوائد والبدع والمحدَثات والمنكرات كان الانتساب إلى «أهل السُّـنَّة والجماعة» أو «السلفية» عِزًّا وشَرَفًا ورمزًا للافتخار وعلامةً على العدالة في الاعتقاد، خاصّةً إذا تجسّد بالعمل الصحيح المؤيَّد بالكتاب والسنّة، لكونها منهج الإسلام في الوحدة والإصلاح والتربية، وإنما العيب والذّمُّ في مخالفة اعتقاد مذهب السلف الصالح، في أي أصل من الأصول، لذلك لم يكن الانتساب إلى السلف بدعةً لفظيةً أو اصطلاحًا كلاميًّا لكنه حقيقة شرعية ذات مدلول محدّد..
وأخيرًا؛ فالسلف الصالح هم صفوة الأمّة وخيرها، وأشدّ الناس فرحًا بسنّة نبيّهم صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم وأقواهم استشعارًا بنعمة الإسلام وهدايته التي منَّ الله بها عليهم، متمثلين لأمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته قال سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ، قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾ [يونس: 57-58]، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «الفرح بالعلم والإيمان والسنة دليل على تعظيمه عند صاحبه، ومحبّته له، وإيثاره له على غيره، فإذا فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبّته له ورغبته فيه، فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له، ولا يحزنه فواتُه، فالفرح تابع للمحبة والرغبة»(٢١).
نسأل الله أن يُعزَّ أولياءَه، ويُذِلَّ أعداءَه، ويهديَنا للحقِّ، ويرزقَنا حقَّ العِلم وخيرَه وصوابَ العمل وحُسنَه، فهو حَسْبُنَا ونعم الوكيل، وعليه الاتكال في الحال والمآل، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 11 جمادى الأولى 1443ﻫ


الموافق ﻟ: 28 ماي 2022م

المصدر

_________________________ _____________________
١- . أخرجه البخاري في «الشهادات» باب لا يشهد على شهادة جور إذا أشهد: (2509)، ومسلم في «فضائل الصحابة» باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين…: (6472)، والترمذي في «المناقب» باب ما جاء في فضل من رأى النبي وصحبه: (3859)، وابن حبان في «صحيحه»: (7228)، وأحمد: (5383)، والبزار في «مسنده»: (1777)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

٢- أخرجه مسلم في «الإمارة» باب قوله لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق..: (4920)، والترمذي في «الفتن» باب ما جاء في الأئمة المضلين: (2229)، وأحمد: (21889)، وسعيد بن منصور في «سننه»: (2372)، من حديث ثوبان رضي الله عنه.

٣- أخرجه الدارمي في «سننه»: (206)، وابن حبان في «مقدمة صحيحه» باب الاعتصام بالسنة وما يتعلق بها نقلاً وأمراً وزجراً: (7)، والحاكم في «المستدرك»: (3241)، وأحمد: (4131)، والبزار في «مسنده»: (1718)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث صححه أحمد شاكر في «تحقيقه لمسند أحمد»: (6/89)، وحسنه الألباني في «المشكاة»: (166)

٤- [2/191].

٥- الجوادُّ: جمع جادّة، وهي معظم الطريق، وأصل الكلمة من جدَدَ. [«النهاية» لابن الأثير: 1/313].

٦- أخرجه ابن ماجه في «المقدمة» باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين: (43)، والحاكم في «المستدرك»: (331)، وأحمد: (16692)، والطبراني في «الكبير»: (18/247)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. والحديث حسنه المنذري في «الترغيب والترهيب»: (1/47)، وصححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (937).

٧- أخرجه الترمذي في «الإيمان» باب ما جاء في افتراق هذه الأمة (2641)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. قال العراقي في «تخريج الإحياء» (3/284) «أسانيدها جياد»، والحديث حسّنه الألباني في «صحيح الجامع» (5343).

٨- «مجموع الفتاوى» لابن تيمية: (4/149).

٩- أخرجه الحاكم في «المستدرك»: (444)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما. قال ابن تيمية رحمه الله في «مجموع الفتاوى» (3/341): «الحديث صحيح مشهور في السنن والمساند»، وحسنه سليم الهلالي في «درء الارتياب عن حديث ما أنا عليه والأصحاب».

١٠- سبق تخريجه.

١١- أخرجه الترمذي في «الفتن» باب ما جاء في لزوم الجماعة: (2166)، والحاكم في «المستدرك»: (398)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. وصححه الألباني في «المشكاة»: الهامش رقم (5)، من (1/61).

١٢- أخرجه البخاري في «الفتن» باب قول النبي سترون بعدي أمورا تنكرونها: (6646)، ومسلم في «الإمارة» باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن: (4790)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

١٣- أخرجه أبو داود في «السنة» باب شرح السنة: (4597)، والحاكم في «المستدرك»: (443)، وأحمد: (16613)، والطبراني في «الكبير»: (19/377)، من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. والحديث صححه الألباني في «السلسلة الصحيحة»: (204).

١٤- أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (49/286). وصححه الألباني في «المشكاة»: (1/61).

١٥- سبق تخريجه.

١٦- «مجموع الفتاوى لابن تيمية»: (3/347).

١٧-«الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء» لابن عبد البر: (35)، «ترتيب المدارك» للقاضي عياض: (1/172).

١٨- رواه مسلم في «مقدمة صحيحه»: (84)، والدارمي في «سننه»: (422).

١٩- «الشريعة» للآجري: (58).

٢٠- أخرجه الطبراني في «الأوسط»: (219)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه، وأخرجه أبو عمرو الداني في «الفتن»: (25/1)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الألباني «السلسلة الصحيحة»: (3/267).

٢١- «مدارج السالكين» لابن القيم: (3/158).




التصنيفات
المواسم الإسلامية وفضائل الأيام والشهور

العيد في الإسلام معناه وحقيقته

العيد في الإسلام معناه وحقيقته


شرع الله للمسلمين عيدين اثنين في الإسلام لا ثالث لهما فشرع كل عيد بعد عبادة عظيمة وركن من أركان الإسلام.
أحدهما عيد الفطر، والآخر عيد الأضحى.
أما عيد الفطر فقد شرع في أول يوم من شهر شوال بعد الفراغ من عبادة الصيام والقيام وغيرهما من أنواع القربات التي يتقرب بها العباد إلى الله في شهر رمضان المبارك.
أوجب الله تعالى صيام هذا الشهر المبارك وجعله ركنا من أركان دين الإسلام ورتب عليه أجرا لم يرتبه على عبادة سواها- إذ يقول الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يرويه عن ربّه:
(قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وفي رواية البخاري: (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي).
يا لها من إضافة ما ألطفها وما أعظم شأنها "إلا الصوم فإنه لي" إضافة تدل على إكرام الله لعبده الصائم وتشريفه إياه إذ يضيف الرب تعالى عمل عبده إلى نفسه عز وجل ويخبر أن الصوم له وأنه سوف يجزي عليه عبده جزاء لا يقدر قدره إلا الله سبحانه تفضلا وإحسانا إنه جواد كريم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:
(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)، كما صح عنه قوله عليه الصلاة والسلام: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه).
هكذا شرع الله لنا الصيام ورتب عليه ذلك الجزاء – جزاء الصابرين
{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} كما شرع فيه قيام لياليه سنة مؤكدة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وفي ختام هذه النعمة العظيمة التي امتن الله على عباده شرع لهم عيد الفطر.. يفطرون فيه بعد أن كانوا صائمين ويتمتعون فيه بطيبات أحلها الله لهم ويخرجون إلى المصلى بأجمل ما لديهم من اللباس مكبرين الله تعالى ومهللين وحامدين شاكرين هكذا حتى يصلوا ركعتي العيد.
فعيد الفطر إذا شكر لله تعالى على تلك النعمة الجسيمة التي سبق أن وصفناها آنفا هكذا يتم العيد ثم ينصرفون من المصلى بعد أن استمعوا إلى الخطبة التي تلقى بهذه المناسبة العظيمة.. ينصرفون وقد غمرهم الفرح بنعمة الله تعالى – وفقهم إلى الصيام فصاموا فيسر لهم القيام فقاموا ثم أدوا صلاة العيد شكرا لله على هذا التوفيق والتيسير.
نعم ينصرفون من مصلى العيد يهنئ بعضهم بعضا بالعيد السعيد هكذا ينتهي العيد ليتبعوا صوم رمضان بست من شوال تطوعا لعل الله يجبر بصوم الست من شوال ما قد يحصل من النقص والخلل في صيام رمضان بل ليكون الصائم بذلك كصائم الدهر. إذ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من صام رمضان واتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر). ولئلا تتمادى به فرحة العيد إلى حد الإسراف والترف.
هذا هو عيد الفطر – وهذا معناه وحقيقته والله وأعلم.

وأما عيد الأضحى فقد شرعه الله لنا بعد عبادة – هي بحق جهاد لا قتال فيه. وهي عبادة حج بيت الله الحرام وقد صح هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري حين سألت رسول الله عليه وسلم: "هل على النساء من جهاد؟" فقال عليه الصلاة والسلام: (عليهن جهاد لا قتال فيه.. الحج والعمرة). وقبيل الانتهاء من أعمال هذه العبادة العظيمة، حج بيت الله الحرام شرع الله لعباده عيد الأضحى في العاشر من ذي الحجة بعد أن منَّ الله على حجاج بيته بوقوف يوم عرفة متضرعين تائبين خاشعين. وبعد أن أدى غير الحجاج في ذلك اليوم عبادة الصيام. الصيام الذي يكفر الله به السنة الماضية والسنة الباقية. فهو عيد عظيم بعد يوم عظيم يوم شكر لله المنعم المتفضل على ما أنعم به من حج وصيام، وفي هذا اليوم يتقرب عباد الله إلى الله حجاجا كانوا أو غير حجاج بذبح الهدى والأضاحي ليطعموا البائس الفقير بعد أن يأكلوا منها ما تيسر لهم اتباعا لنبيهم محمد عليه الصلاة والسلام وشكرا لربهم، ويقضون هذا اليوم وثلاثة أيام بعده في

ذكر الله تعالى مع التنعم والتمتع بطيبات أحلها الله لهم من الطعام والشراب والطيب وغير ذلك من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، هكذا تتجلى المعاني السامية والحكمة البالغة في العيدين الإسلاميين عيد الفطر، وعيد الأضحى.
وأما تلك الاحتفالات المبتدعة في مناسبات مختلفة التي ابتدعها بعض الناس بعد انقراض القرون المفضلة المشهود لها بالخير. ابتدعوها ثم أطلقوا عليها اسم (أعياد إسلامية) فليست من الإسلام في شيء بل هي محدثة وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة. وهي بعد ذلك كله مجالات لاختلاط الجنسين وميدان للفساد الخلقي ولهو ولعب.. دفوف وطبول ورقص وتصفيق.. وهكذا إلى آخر الأعمال الجاهلية التي يعرفها كل مطلع. وإطلاق اسم (أعياد إسلامية) بعد هذا كله على هذه الاحتفالات المبتدعة يعتبر في نظري جناية على الإسلام. وهو أمر لا يخفى على كل ذي بصيرة في دينه ودارس للفقه الإسلامي، ومن أمثلة تلك الاحتفالات المبتدعة الاحتفال باسم (المولد النبوي) والاحتفال: بليلة الإسراء – وبليلة النصف من شعبان – وأخيرا أُضيفت أعياد جاهلية أُخرى كعيد الحسين – وزينب وعيد البدوي، وغيرها من الاحتفالات الجاهلية التي زينها الشيطان لأهلها وللأسف الشديد أن عوام المسلمين وأشباه العوام أنشط في إقامة هذه الاحتفالات منهم في أداء الفرائض والعبادات المشروعة والله المستعان.

محمد أمان بن علي الجامي




يُرْفَعُ وَ يُثَبَّتُ لِلفَائِدَة ، رَفَعَ اللهُ قَدْرَكُم




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




التصنيفات
القران الكريم

[كتاب مصور] [تحميل] معجم المفسرين من صدر الإسلام و حتى العصر الحاضر ||

تعليمية تعليمية

[كتاب مصور] [تحميل] معجم المفسرين من صدر الإسلام و حتى العصر الحاضر

بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم

معجم المفسرين
من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر


تصنيف

عادل نويهض

تعليميةنقره على هذا الشريط لعرض الصورة بالمقاس الحقيقيتعليمية

بطاقة الكتاب:

العنوان: معجم المفسرين من صدر الإسلام وحتى العصر الحاضر.
تأليف: عادل نويهض.
دار النشر: مؤسسة النويهض الثقافية.
سنة الطبع: الطبعة الثالثة (1409هـ – 1988م).
نوع التغليف: مجلدين (1040). [تم دمج المجلدين حفاظًا على التسلسل]
رقم الكتاب: (396).

نبذة تعريفة: (1)
يقع هذا الكتاب في مجلدين ، وقد رتبه صاحبه على حروف المعجم ، وقد اشتمل على ذكر المفسرين من عصر صدر الإسلام حتى هذا العصر ، كما هو ظاهر وبيّنٌ من عنوان الكتاب.
وقد ضم هذا المعجم من التراجم نحو ألْفَيْ ترجمة، غير ما فقده المؤلف من بطاقات أثناء الحرب، وقد ذكر في مقدمة كتابه من سبقه في التأليف في تراجم المفسرين، كما ذكر سبب تأليف هذا الكتاب ، حيث يقول : ( … ثم تمضي السنون ويتسع نطاق التفكير الإسلامي وتكثر الحاجة إلى كتاب يغني الدارسين والباحثين عن كتب التاريخ والسير وضخام أسفارها ، ويضم شتات ما فيها من تراجم ومعلومات ، فعزمت – بعد الاتكال على الله – على وضع هذا المعجم ).
ثم ذكر الصعوبات التي واجهته في تأليفه من عدم استقرار بسبب الغزو الصهيوني حتى كاد أن يثني عزيمته عن الاستمرار في هذا الجهد المبارك، ولقد بين منهجه في ترتيب بحثه فقال 🙁 وقد سلكت في ترتيبه المنهج التالي : بدأت في ترجمة كل مفسر بذكر شهرته أو اسمه إن لم يكن له شهرة ، وبجانبه ولادته ووفاته بالتاريخ الهجري والميلادي، يلي ذلك اسم المترجم له ، فاسم أبيه ، فجده ، فنسبته ، فاختصاصه في غير علم التفسير كالحديث ، والأدب واللغة الخ … ثم مكان ولادته ، ومراحل دراسته وما ولي بعدها من أعمال ثم مكان وفاته ، فمؤلفاته في التفسير ، وقد أشرت إلى ما طبع منها وإلى ما هو مخطوط، رتبت الأسماء أبجديا وفقا لتاريخ المترجم لهم مبتدئا بحرف الاسم الأول ثم بحرف الاسم الثاني فيكون إبراهيم بن إبراهيم قبل إبراهيم بن أحمد، وأحمد بن إبراهيم قبل أحمد بن أحمد وهكذا مضافا إليه تاريخ الوفاة وبخاصة في التراجم التي تجمع بينها وحدة الأسماء، فإبراهيم بن أحمد المتوفى سنة 710هـ يجده القارئ قبل إبراهيم بن أحمد المتوفى سنة 866هـ، … من لم أعثر له على تاريخ ولادة ووفاة اقتصرت على ذكر الزمن الذي كان حيا فيه، استنادا على مصادر ترجمته، وحيث خلت هذه المصادر من معلومات عن العصر وضعت مكان التاريخ علامة استفهام ، تسهيلا للباحث عن ترجمة أي مفسر، زودت المعجم بكشفين ، الأول وضعته في بداية كل حرف أبجدي ، ويتضمن الشهرة المبتدئة بذلك الحرف ، ثم الاسم وتاريخ الوفاة ، والثاني وهو شامل لكل المفسرين ويتضمن الشهرة والأسماء وأرقام الصفحات المذكورين فيها ، ويجده القار الكريم في قسم الفهارس العامة في الجزء الثاني، ثم يذكر: تكاملت لي مادة تراجم جديدة بعد طبع المعجم فوضعتها في مستدرك في نهاية الجزء الثاني).
وعند النظر في التراجم يمكن أن نضيف بعض النقاط التي قد يكون لها فائدة :
– يسرد المؤلف ترجمة موجزة للتعريف بهذا المفسر، ومن خلال الترجمة تظهر عدة أمور قد تعين القارئ في التعرف على التفسير، فيذكر لك أحيانا مذهب صاحب التفسير، أو عقيدته، وتأثره بفرقة من الفرق مثلا.
– يذكر المؤلف في بعض التراجم المكان الذي حفظ فيه تفسير المترجم له وأين يوجد وتاريخ كتابتها.
– يذكر المؤلف أحيانا نماذج من مقدمة كتاب المترجم له، نقلها عن كشف الظنون، وهذا يدل على الأمانة العلمية عند المؤلف.
– أما مصادره التي رجع إليها فقد نافت على الستمائة تقريبا.
– أما عدد الكتب التي ذكرت في هذا المعجم فما يقرب من ألفي ومائة كتاب .
– كما يذكر المؤلف عند كل ترجمة، مظان وجودها في المصادر الأخرى، حتى يثري الباحث بالمعلومات ويسعفه.
– وأخيرا ..فقد ختم كتابه بوضع فهرس للكتب والرسائل، وفهرس للمفسرين، وفهرس للمصادر.

ـــــــــ
(1) ملخصًا من تعريف بالكتاب للأخ أبي عبد الرحمن المدني

التحميل:
من المرفقات

منقول

الملفات المرفقة تعليمية معجم المفسرين من صدر الإسلام حتى العصر الحاضر عادل نويهض.pdf‏ (16.70 ميجابايت)

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




بارك الله فيك أخيتي الغالية و جزاك كل خير

جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله




بارك الله فيك




التصنيفات
العقيدة الاسلامية

مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام

مفتاح دار السلام بتحقيق شهادتي الإسلام
الشيخ/حافظ الحكمي -رحمه الله-

الحمد لله الذي نشر على منابر الكائنات أعلام التوحيد , ونكس رايات أهل الشرك والتنديد , وقصم بشدة بطشه كل جبار عنيد , وأيد بنصره وتأييده من أفرده بالتوحيد, وسقى قلوبهم بوابل الكتاب وظل السنة فأثمرت المعتقد الخالص والقول السديد , يعطي ويمنع , ويخفض ويرفع , ويصل ويقطع , وله الحكمة البالغة , والحجة الدامغة , وما ربك بظلام للعبيد , أحمده سبحانه وأشكره , وأتوب إليه وأستغفره , وأسأله لذة النظر إلى وجهه في يوم المزيد , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , المحصي المبدئ المعيد, الفعال لما يريد , تعالى عن أن يكون له شريك في الملك أو ولي من الذل أو صاحبة أو ولد أو والد أو كفؤ أو نديد , وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله سيد الخلق وخاتم الرسل الكرام العبيد , صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الذين جردوا سيوف الحق لإزهاق كل باطل وإرغام كل كفار عنيد .

أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله , فاتقوا الله عباد الله رحمكم الله , واعلموا أنكم لم تخلقوا عبثا ولا سدى , بل والله خلقكم لأمر عظيم , وخطب جسيم , بينه في محكم تنزيله , وهو الحكيم في خلقه وشرعه الصادق في قيله , ومن أصدق من الله قيلا , وأبين دليلا: )و ما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون , ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) فأخبرنا تعالى أنه ما خلقنا إلا لعبادته , والعبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة و الباطنة , وأصل العبادة وقوامها الذي لا قوام لها بدونه هو التوحيد الذي أرسلت به الرسل ونزلت به الكتب ومن أجله أمر بالجهاد , وفرض على كل فرد من الأفراد , ولأجله خلقت الدنيا والآخرة , والجامع له كلمة خفيفة اللفظ واسعة المعنى جليلة القدر, وهو لا إله إلا الله , كلمة الشهادة ومفتاح دار السعادة فهي أصل الدين وأساسه ورأس أمره وساق شجرته وعمود فسطاطه , وبقية الأركان والفرائض متفرعة عنها متشعبة منها مكملات لها مقيدة بالتزام معناها , والعمل بمقتضاها , فهي العروة الوثقى التي قال الله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها) الآية , وهي العهد الذي ذكر الله تعالى في قوله: (لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) , وهي الحسنة التي ذكر الله عز وجل في قوله: (من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون), وهي كلمة الحق التي ذكر الله عز وجل في قوله : (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون), وهي كلمة التقوى التي ذكر الله تعالى في قوله: (وألزمهم كلمة التقوى و كانوا أحق بها وأهلها) , وهي المثل الأعلى الذي ذكر الله تعالى: (وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم) , وهي الحسنى التي ذكر الله عز وجل في قوله :(فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى), وهي القول الثابت الذي قال الله عز وجل: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) الآيات , وعنها يسأل الله الرسل وأممهم حيث يقول تعالى :(فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين), فيقول للرسل :(ماذا أجبتم) ويقول للأمم :(ماذا أجبتم المرسلين) , وفي الحديث : «لو أن السماوات السبع و الأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله» , ولكنها قد قيدت بقيود ثقال , هي أثقل على من أضله الله من الجبال , وأشق عليه حملها من السلاسل و الأغلال , أما من وفقه الله وهداه , ويسر له سبل النجاة , وجعل هواه تبعا لما جاء به رسوله و مصطفاه , فهي أسهل عليه وألذ لديه من العذب الزلال .

الأول : العلم بمعناها الذي دلت عليه وأرشدت إليه , قال الله تعالى : (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) أي شهدوا بلا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم معنى ما نطقوا به بألسنتهم , وفي مسلم عن عثمان رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» فقيدها بالعلم بمعناها وهو نفي العبادة عن كل ما سوى الله عز وجل , وإثباتها لله وحده لا شريك له , أما من هذى بها هذيانا ككلام النائم لا يعلم معناها , فكيف ينفي ما نفت ويثبت ما أثبتت وهو لا يعلم شيئا من ذلك أم كيف يعمل بمقتضى ما لا يعلمه .

الثاني : اليقين بما دلت عليه في الشهادة والغيب , المنافي لمناقضه من الشك و الريب , قال تعالى : (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون) , فقصر الإيمان عليهم مع التقيد بكونهم لم يرتابوا أي لم يشكوا , فلا إيمان لمن قالها شاكا مرتابا , و لو قالها بعدد الأنفاس , ولو صرح بها حتى يسمع جميع الناس , وفي مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة» , وفيه من حديثه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه بنعليه فقال : «اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة» الحديث , فقيد استحقاق قائلها دخول الجنة وتبشيره بها بكونه غير شاك فيهما , وبكونه مستيقنا بها قلبه , والمعنى في ذلك واحد , فنفي الشك يفيد ثبوت اليقين , وثبوت اليقين يفيد نفي الشك .

الثالث : القبول لها المنافي لرد مدلولها , قال الله تعالى : (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) والآيات هنا المراد بها القرآن ومعظمه في حق هذه الكلمة , وذكروا ووعظوا , وهم لا يستكبرون أي عن الإيمان بالله وطاعته وذلك هو حقيقة التأله المنفي عن سوى الله بـ˝لا إله˝ المثبت له سبحانه بـ˝إلا الله˝ , ولا رد أعظم من الاستكبار ولهذا قال تعالى في حق من ردها بعد أن ذكر ما وعدهم به من العذاب أنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون , ويقولون : (أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون), فلم يتركوا آلهتهم المنفية بلا إله ولم يقبلوا إثبات إلا الله , فقال تعالى تكذيبا لهم وتصديقا لنبيه صلى الله عليه وسلم :(بل جاء بالحق وصدق المرسلين) , وفي الصحيح عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «مثل ما بعثني الله به من الدين والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا, وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بشر الله به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدي الله الذي أرسلت به» , فانظر هذا الحديث واعتبر به فهو عبرة لأولي الأبصار فإنك إذا أمعنت النظر فيه رأيته يحتوي على ما لم يتسع له المجلدات الكبار , والمقصود هنا أن المثلين الأولين لمن قبل هدي الله الذي هذه الكلمة أصله وإن كانوا على درجتين متفاوتتين , والمثل الثالث لمن لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبله فلم ينتفع هو ولم ينفع غيره , بل هو ضرر محض على نفسه وعلى غيره .

الرابع : الانقياد لمعناها المنافي لترك العمل بمقتضاها , قال الله تعالى :(ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) الآية , يسلم وجهه إلى الله فينقاد ويقبل على طاعته وهو محسن أي موحد , فقد استمسك بالعروة الوثقى أي بلا إله إلا الله , فخرج بذلك من لم يسلم وجهه إلى الله ولم يك محسنا فإنه لم يتمسك بها وهو المعني بقوله تعالى بعد ذلك (ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبؤهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور , نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ) , وفي الأربعين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به» فجعل الشرط في الإيمان أن ينقاد لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .

الخامس : إخلاص الدين لله عز وجل المنافي للشرك الذي لا يقبل معه , قال الله تعالى (ألا لله الدين الخالص) , وقال تعالى (فاعبد الله مخلصا له الدين), وقال تعالى (قل الله أعبد مخلصا له ديني) , وقال تعالى (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) , وقال تعالى (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين) الآية , فجعل الله تعالى الشرط كونهم مع المؤمنين أن يخلصوا دينهم لله فمن قالها ظاهرا ولم يك مخلصا فليس هو مع المؤمنين بل هو مع المنافقين الذين هم في الدرك الأسفل من النار , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار» رواه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود وجابر وغيرهما , ولما قال له أبو هريرة من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله قال : «من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه» , وهذا مما لا يحتمل التأويل ولا يحتاج إلى تفصيل .

السادس : الصدق المنافي للكذب , وهو أن يتواطأ على ذلك القلب واللسان , قال تعالى :(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين), وقال تعالى في كشف ما أضمره المنافقون وهتك أستارهم حيث أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر :(ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين , يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون , في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) فزاد الله قلوبهم مرضا وأنها لم تواطئ ألسنتهم فهم أشر من الكفار, ومأواهم الدرك الأسفل من النار, وقد بين الله عز وجل في سورة التوبة كثيرا من فضائحهم بقوله سبحانه وتعالى ومنهم و منهم وكذا في سورة النساء وإذا جاءك المنافقون وغيرها يشهد سبحانه أنهم لكاذبون , وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار»متفق عليه , وفي حديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن أركان الإسلام التي أعظمها هذه الكلمة لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قال : هل علي غيرها؟ قال : لا , إلا أن تطوع , قال : والله لا أزيد عليها ولا أنقص , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أفلح إن صدق», فاشترط في فلاحه أن يكون صادقا فخرج بذلك الكاذب المنافق فإنه لا فلاح له أبدا بل له الخيبة والردى عياذا بالله من ذلك .

السابع : المحبة , وهو أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما و أن يحب في الله ويبغض في الله ويوالي في الله ويعادي في الله , قال تعالى :(والذين آمنوا أشد حبا لله) , وقال تعالى :(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين) الآية , وقال تعالى :(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) الآية , فوصف الله سبحانه عباده المؤمنين بأنهم أشد حبا وأنهم يحبهم ويحبونه وأنهم لا يوادون من حاد الله ورسوله ولا يتولوهم , قال تعالى :(ومن يتولهم منكم فإنه منهم , إن الله لا يهدي القوم الظالمين) , وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان , أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما , وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله , وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار» وفيه أيضا عنه رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» .

* ثم اعلم أنه لا يكون من شهد أن لا إله إلا الله مؤمنا حتى يشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التزامه فيها بجميع الشروط التي قدمناها مع أدلتها من الكتاب والسنة والتي فرقت بين هاتين الشهادتين وبين شروطها المذكورة منطوقا ومفهوما
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله وسلم تصديقه في جميع ما أخبر به عن ربه عز وجل من أنباء ما قد سلف و أخبار ما سيأتي, و في ما أحل من حلال وحرم من حرام ,تصديقا جازما بيقين صادق لا شكوك تداخله ولا أوهام , والامتثال و الانقياد لما أمر به من شرائع الإسلام ,والكف والانتهاء عما نهى عنه من المحارم والأسقام , و اتباع شريعته والتزام سنته في السر والجهر مع الرضا بما قضاه والاستسلام , وذلك لأنا إذا علمنا وتيقنا أنه رسول من عند الله عز وجل علمنا وتيقنا أن أمره ونهيه وجميع شرعه إنما هو تبليغ منه لما أمر به الله ونهى عنه وشرعه ولهذا قال تعالى 🙁من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا) , وقال تعالى :(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) , وقال تعالى :(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) , وقال تعالى :(فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم هي من طاعة الله ومعصيته معصية لله واتباعه هو اتباع محاب الله ومرضاته وموجبات مغفرته ورحمته وتحكيمه هو تحكيم ما أنزل الله وكراهية حكمه كراهية حكم الله عز وجل , فهو صلى الله عليه وسلم لم يأمر إلا بما أمر الله به , ولم ينهى إلا عما نهى الله عنه , و لم يشرع إلا بأمر من الله , و لم يحكم إلا بما أراد الله عز وجل ولهذا قال تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) , وقال تعالى : (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا و ما على الرسول إلا البلاغ المبين) , وقال تعالى : (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا, إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا) , و قال تعالى : (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) , فهو صلى الله عليه وسلم عبد لا يعبد , ورسول لا يكذب , بل يطاع ويتبع فنشهد أنه عبد الله ورسوله , شرفه الله بالعبودية ونوه بوصفه بها في أشرف مقاماته , فقال تعالى : (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا) , وقال تعالى : (فأوحى إلى عبده ما أوحى) وقال : (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) , وقال تعالى : (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله) إلى غير ذلك , وقد شهد تعالى بالرسالة فقال : (والله يعلم إنك لرسوله) , وقال تعالى : (محمد رسول الله) , وقال تعالى : (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) , وقال تعالى : (رسولا منهم يتلو عليهم آياته) , وقال تعالى : (عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون , الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) .
ونشهد بعموم رسالته إلى الناس جميعا جنهم وإنسهم , قال الله تعالى : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) , وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» , و قد أخذ الله عز وجل ميثاق النبيين على الإيمان به فقال تعالى : (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين) , ونشهد أن كل عامل بعد بعثته على خلاف ما بعث به صلى الله عليه وسلم لن يقبل منه مثقال ذرة ولو عمل لأن الله بعثه بدين الإسلام والله تعالى يقول : (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) , وفي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» , ونشهد أنه صلى الله عليه وسلم لم يتوفاه الله عز وجل حتى أكمل لنا به الدين وبلغ ما أرسله به البلاغ المبين , ولم يترك خيرا إلا دل الأمة عليه وأرشدهم إليه , ولا شرا إلا حذرهم منه ونهاهم عنه , وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك , وقد أنزل الله عز وجل في حجة الوداع التي هي آخر اجتماعه بالناس (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) , وفيها خطب ذلك الجمع العظيم وقال في خطبته تلك : «ألا هل بلغت , قالوا : نعم , قال : اللهم اشهد , ثلاثا يرفع إصبعه إلى السماء وينكثها إلى الناس اللهم اشهد» الحديث في الصحيحين .

ونشهد أنه خاتم النبيين ولا نبي بعده , ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب ومن صدقه فهو كافر , قال الله تعالى : (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين) , وفي حديث الدجال في الصحيحين وغيرهما قال صلى الله عليه وسلم أنه يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي , وكذا في المسند من حديث ثوبان رضي الله عنه : «وأنه يكون بعدي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي وأنا خاتم النبيين ولا نبي بعدي» , فهو صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين حتى الأنبياء والمرسلين .
قال تعالى : (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات) قال أهل التفسير : ورفع بعضهم درجات هو محمد صلى الله عليه وسلم , وفي حديث الشفاعة الطويل «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» , ونؤمن بما أجراه الله على يديه من المعجزات الخوارق للعادة التي أعظمها القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد , وقال فيه صلى الله عليه وسلم : «إني تارك فيكم ما إذا تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله» الحديث في الصحيح , ونؤمن بما سيكرمه الله به في الآخرة من الكرامات التي أعظمها المقام المحمود الذي وعده , وأنه أول من يفتح له باب الجنة , إلى غير ذلك مما لا يدخل تحت حصر , والأدلة من الكتاب والسنة على مطالب الشهادتين وشروطها أكثر من أن تحصر , وقد اقتصرنا في كل مسألة على دليل من الكتاب والسنة لقصد الاختصار وإلا فهو بعض من كل , ودق من جل , وقطرة من بحر , وفيه إن شاء الله كفاية لمن أراد الله إخراجه من الظلمات إلى النور , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم , وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .




التصنيفات
بلدان ومدن

أول مدينة جزائرية دخلها الإسلام

"بسم الله الرحمان الرحيم "
j(”)
ميلة ملكة الحبوب و الحليب~~
يرجع تاريخ ميلة إلى العصر الحجري الحديث حيث يوجد بالولاية احد أهم مواقع ما قبل التاريخ في الجزائر،نخص بالذكر موقع مشتى العربي قرب شلغوم العيد أو بالأحرى إنسان مشتى العربي الذي يعود إلى الحضارة الابيرومغربية في شمال إفريقيا. أما عن مدينةميلة فقد تم اكتشاف أدوات صوانيه في السهل الشمالي الغربي الممتد بين المدينة القديمة وواد بوخنزير ووادي مخزود وهي ذات أحجام مختلفة(01).
برزت ميلة في العهد النوميدي كإحدى أهم المدن التابعة لماسينيسا حيث تذكر المصادر أنها كانت إحدى المقاطعات تدعى ميلو نسبة إلى ملكة كانت تحكمها
في العهد الروماني وفي عهد يوليوس قيصر ظهرت ميلاف كواحدة من المدن الأربع التي تشكل الكونفدرالية السيرتية تحت حكم ب.سيتيوس نيكرينوس وحملت لقب كولونيا وقد ذكرت في العديد من الناقشات الأثرية بعدة تسميات منها :
Milev, Mulium, Molium, Médius, Milo, Milah ou Mila
أما عن أصل التسمية فقد اختلفت الآراء والتأويلات، ولكن اتفق جل الباحثين على أن أصلها امازيغي ميلاف تعني الألف ساقية أو الأرض المسقية . وميلو تعني الضل في اللغة الامازيغية وميديوس تعني المكان الذي يتوسط عدة أمكنة وهو مشتق من موقعها الجغرافي حيث تتوسط أهم المدن القديمة
يقول بلين ((كانت ميلاف أولا قلاعا حربية لحماية سيرتا ثم اخذ ت في التوسع إلى أن أصبحت في عهد الإمبراطور تراحان (98 ـ117م) شبيهة بسيرتا )).

في القرن الثالث الميلادي ظهر اسم ميلاف لأول مرة في كتابات القديس سيبيريان أثناء المجمع الكنسي الذي عقد بقرطاج في 01 سبتمبر سنة 256 م ، وفي سنة( 360 م )اشتهرت المدينة من خلال القديس أوبتا الذي كان حليفا للقديس أوغسطين ضد القديس دوناتوس او المذهب الدوناتي المناهض للكنيسة الكاثوليكية ، وتشيرا لمصادر عن مؤتمرين عقدا بميلاف الأول سنة( 402 م) والثاني الذي ترأسه أوغسطين بنفسه عقد سنة( 416 م) وقد بنيت بها واحدة من أقدم الكنائس في الجزائر.(02)
وبعد انحطاط الإمبراطورية الرومانية وانشقاقها زحف الو ندال إلى بلاد المغرب ومكثوا في الإقليم الشرقي حوالي قرن من الزمن ويحتمل ان ميلاف قد أخضعت سنة( 445 م) من طرف القائد الوندالي بيليزار الذي جعلها مركزا لمراقبة باقي الأقاليم المجاورة.
استولى البيزنطيون على المدينة سنة( 539ـ540 م) ونظرا لأهميتها الدينية والإستراتيجية جعلوا منها المدينة القلعة حيث قام القائد سولومون ببناء السور المحيط بالمدينة ودعمه بـ 14 برج للمراقبة وضم أهم معالم المدينة الرومانية.
أي ان القديس او الراهبVille évêchéوقد كان للمدينة في العهد البيزنطي دور ديني بالغ الأهمية
هو السلطة الحاكمة في المدينة
واستمر ذلك حتى الفتح الإسلامي سنة( 674 م) أي سنة( 55 هـ) أين دخلها الصحابي الجليل أبو المهاجر دينار فاتحا مقيما بها أول مسجد بالجزائر الثاني في بلاد المغرب بعد مسجد عقبة بن نافع بالقيروان التونسية.على انقاد الكنيسة الرومانية فكانت تنطلق منها الفتوحات الإسلامية نحو باقي الأقاليم وعند فتحها أطلق عليها اسم ميلاح ليسهل نطقها واستمر الاسم متداولا إلى أن جاء الفرنسيين أين أصبحت ميلة الحالية اختصارا لنطقها في الفرنسية MILA-H- .

اهتم المؤرخون بتاريخ دخولها إلى حظيرة الإسلام والعروبة فقد خصها المؤرخ المصري أبو المحاسن الثغري بردي (874هـ/1469م) صاحب كتاب النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة حيث حدد فيه اسم القائد الذي فتحها وهو أبو المهاجر دينار (55هـ ـ62هـ/675ـ682م) وقد تقلد إدارة ولاية المغرب وقيادة الجيش فيه.بعد ان ابعد معاوية ابن ابي سفيان(41هــ ـ61هـ/661ـ681م) عقبة بن نافع الفهري عن افريقية ، وعزل معاوية ابن حديج السفوكي عن مصر وعين مكانه مسلمة ابن مخلد الأنصاري،ويقال انه أول من جمعت له ولاية مصر والمغرب في ولاية واحدة،ومن ثم ولى له مولى يدعى أبو المهاجر الذي وصل إلى المغرب سنة (55هـ/675م ) (01) وبعد وصوله قام بإنشاء قاعدة جديدة مرتبطة باسمه،كان مقرها وسط البربر الذين تعاونوا معه على وضع نواة معسكره الجديد. وقد أراد بهذه المبادرة أن يشاركه السكان المحليين في عمليات الفتح وهكذا يكسب نفوسهم وولاءهم إلى أن وصل إلى ميلة التي فتحها سنة (59هـ/679م) التي جعلها عاصمته ومقر قيادة الجيوش الفاتحة وقد أقام بها سنتين وسط أهل كتامة وقام بتشييد دار الإمارة ومسجدا للمسلمين ،إلى أن استشهد رفقة الصحابي عقبة ابن نافع في معركة تهوده الشهيرة.
لقد انتقل إلى ميلة في ذلك الوقت الدور الذي كانت تلعبه قسنطينة قبل الفتح وصارت في ظرف قصير مقرا إداريا وعسكريا له أهميته
لم تسلم المدينة مثلها كباقي الحواضر الإفريقية من التيارات الفكرية والمذهبية التي سادت المنطقة في القرن الثاني(2هـ) الثامن ميلادي( 8م) على الرغم من أن المذهب السني بقي السائد فيها أما المذاهب الأخرى فوردت إليها عن طريق النازحين من المشارقة وخاصة منهم فرقتي الخوارج الصفرية والاباضية الذين استقلوا بالمغرب الأقصى والأوسط عن الخلافة الأموية بعد ثورة سنة( 122هـ/739م) والتي على إثرها قام أمير افريقية عبد الرحمان الفهري بمحاربتهم وعين على المناطق الحساسة قادة عسكريين من بينهم مصال ابن حماد الذي تمكن من إبعاد خطرهم إلى أن حكمها الاغالبة الذين افقدوا المدينة أهميتها السياسية وأصبحت في ظل حكمهم جزءا من إقليم الزاب .
وفي سنة( 288هـ/900م) دخل أبو عبيد الله الشيعي بلاد كتامة وعرف من شيوخها أنها تستمتع باستقلالية في تسيير شؤونها وان صلتها بالسلطة في القيروان كانت ضعيفة خاصة سكان البداوي ،فشجعه ذلك على الاستقرار في ارض كتامة وانتشر نشاط هذا الداعية حتى في مدينة ميلة التي اقام بها فترة (*)مما جعل الحاكم الاغلبي موسى ابن العباس ابن عبد الصمد( 261هــ ـ289هـ/876م ـ902م )يسعى إلى ملاحقته والقبض عليه ، لكن أبا عبيد الله كان مدعوما بالقبائل الكتامية التي ساندته فقاتله وزحف إلى المدينة مستغلا قلة حاميتها التي كانت ضمن الجيش الفاتح لصقلية فدخلها بأمان وولى عليها أبو يوسف ماكنون ابن ضارة الاوجاني الايكجاني ،ثم عاد إلى قاعدته بتازروت (عين الملوك) ولما سمع زيادة الله الاغلبي جهز جيشا واتجه نحو تازروت فوجدها خالية فأمر بتهديمها وإحراقها .و واصل سيره نحو ايكجان أين حاصره الكتاميون وهزم الجيش الاغلبي وتوالت هزائم الاغالبة وانتصارات الفاطميين إلى أن دخل الداعية الشيعي القيروان واسقط الدولة الأغلبية سنة (298هـ/908م) (02) ومن ثم نخلص إلى القول أن ميلة كانت أول مدينة أغلبية تسقط في يد الفاطميين .ونقطة انطلاق وبداية حضارة امتد نفوذها إلى الشام ومصر وبسطت سيطرتها على البحر المتوسط والأقاليم المجاورة بعد تكوينها لأقوى أسطولين في تلك الفترة قوام الأسطول الواحد 260 سفينة تاركة
(*).أصاب ابا عبيد الله الشيعي مرض فنصحه الأطباء بالنزول الى مدينة ميلة للمداواة بمياهها من نبع ابي السباع (العين الرومانية) التي لها ميزة الشفاء وقد اقام بفندق فرجون مولى الحاكم ابو العباس.
01ـ فيلالي(عبدالعزيز) مدينة ميلة في العصر الوسيط (دراسة سياسية،ثقافية،ادارية،عمرا نية)، دار البلاد للاتصال، قسنطينة،
ص 09ـ12
02 ـ لقبال(موسى) دور كتامة في تاريخ الخلافة الفاطمية (متذ تأسيسها الى منتصف القرن 5هـ/11م)، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1979،ص 58.
ـ

أعمالا يشهد التاريخ لها منها مدينة القاهرة وجامع الأزهر ، والكثير من الانتاجات الفكرية والفنية .
وبعد انتقال الخليفة المعز لدين الله الفاطمي (352ـ365هـ /953ـ975م) إلى مصر سنة (361هـ/971م) ترك ولاية المغرب إلى بلكين ابن زيري وانتقل الحكم إلى الزبيريين حيث تذكر المصادر أن سكان ميلة
قاموا بثورة ضد الحاكم الزيري المنصور ابن ابي الفتوح سنة (378هـ/988م) وامتنعوا عن دفع
الضرائب وكان ولاءهم ضعيفا لان كتامة ترى أن الحكم أحق إليها من الزبيريين الصنهاجيين باعتبارهم ساهموا في بناء الدولة الفاطمية وأصحاب انتصاراتها في المشرق والمغرب (01)، فزحف إليهم الحاكم بجيش كبير أرعب أهل كتامة ولكنه أوقف الزحف واتخذ قرار تهجير الأهالي وطردهم الي باغاي قرب مدينة خنشلة الحالية وبقيت ميلة خالية من السكان لفترة من الزمن ،وفقدت أهميتها السياسية والعسكرية ن ثم أعيد اعمارها وأصبحت تخضع لحاكم قسنطينة . وقد قال عنها الرحالة العبدري (( وكفى ببلاد خلاء وفناء ، الا يحوي ما يوصف الا ماء وبناء)).(02)
رجع إلى مدينة ميلة بريقها ابتداءا من القرن الخامس الهجري الحادي عشر الميلادي(5هـ/11م) أثناء حكم الحماديين فانتعشت فيها العمارة وتطورت التجارة وعرفت في ظل الحكم الحمادي نهضة اقتصادية ونشاط تجاري معتبر ساعدها في ذلك الأراضي الزراعية الخصبة المحيطة بها وموقعها في ملتقى الطرق الرابطة بين المدن الساحلية والداخلية ،وقد وصفها الرحالة البكري بقوله (( من غرر مدن الزاب)) وعنها قال الإدريسي (( أشجارها وفواكهها كثيرة ومياهها غرفة وأهلها أخلاط البربر جملة والعرب تحكم بخارجها ))
أما في العهد الموحدي (524ـ558هـ /1130ـ1163م) فقد تراجع دورها الإداري والعسكري وخلفتها قسنطينة في ذلك الدور ولكنها ظلت تحت تأثير الأحداث التي تجري حولها لاسيما الحروب التي قامت ضد الموحدين وظلت المدينة تخضع للحكم الموحدي سبعين عاما (70) ولكن ضعف الدولة الموحدية بعد وفاة الحاكم الموحدي يعقوب المنصور وانهزام المسلمين في معركة العقاب سنة (609هـ/1212م) أدى إلى انقسام بلاد المغرب إلى ثلاث دول في النصف الأول من القرن السابع الهجري (7هـ) الثالث عشر ميلادي (13م) وهي الدولة الحفصية (تونس) الزيانية(تلمسان) المرينية(فاس)
وكانت ميلة تابعة الى الدولة الحفصية حيث استطاع أبو زكريا يحي الحفصي (625ـ647هـ/1228ـ1249م) أن يستولي على بلاد كتامة وحواضرها سنة 628هـ/1231م) وأصبحت مدن الشرق الجزائري تخضع للنفوذ الحفصي وكانت قسنطينة عاصمة الإقليم وميلة تدور في فلكها ،وتتبعها مباشرة وقد حدد حسن الوزان في القرن التاسع الهجري (9هـ/15م) مقدار خراجها بحوالي أربعة آلاف دينار ،وعدد سكانها نحو( خمسة عشر ألف نسمة يسكنون بنحو ثلاثة آلاف منزل ) وظلت على هذه الحال إلى أن دخلها الأتراك خلال القرن العاشر الهجري(10هـ/16م)(03)
أما في العهد العثماني فقد كانت ميلة تابعة لبايلك الشرق تخضع لسلطة داي قسنطينة وتذكر المصادر أنها كانت تلعب دورا اقتصاديا هاما فهي مخزن الداي وتضم عدة معالم تعود إلى فترة الحكم العثماني ،لعل أهمها قصر الأغا بفرجيوة ،مسجد سيدي بويحي ومسجد الرحمانة وكذا القصبة القديمة .
01ـ.ابن خلدون(عبد الرحمان) ،تاريخ ابن خلدون ج6،ص155.
02ـ لقبال(موسى ) المرجع السابق،ص151.
03ـ فيلالي (عبد العزيز)، المرجع السابق،ص31. [/b
]




بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

مميزة دوما بإنتقاءاتك الهادفة

دمت للمنتدى مفيدة ومستفيدة




جميلة الإلتفاتة هكذا ، حتى نعرّف مدننا وبلادنا
بارك الله فيك وشكرا لك يا غاية الهدى




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سعدت بتوجهكم صوب هذه المدينة الجزائرية العريقة

أرجو أن تحضى سائر مواضيع المنتدى بالإطلاع

بورك مسعاكم …..وأدامكم الله لخدمة العلم والوطن

تعليمية




شكرا وبارك الله فيك على الموضوع القيم




السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شكرا وبارك الله فيك على الموضوع القيم