[مقتطف] رد الإمام أبي بكر الأثرم على من احتج بحديث ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) على جواز الخروج
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :
قال الإمام أبو بكر الأثرم وهو ثقة حافظ له تصانيف من مشاهير أصحاب أحمد في كتابه ناسخ الحديث ومنسوخه ص249:" 79 – باب طاعة الأئمة
روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع الإمام فقد أطاعني، ومن عصاني فقد عصى الله عز وجل، ومن عصى الإمام فقد عصاني".
وروى أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أطاعني فقد أطاع الله عز وجل، ومن أطاع أميري فقد أطاعني".
وروى الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من بايع إماماً فأعطاه ثمرة قلبه وصفقة يده فليطعه ما استطاع".
وروى شعبة عن يحيى بن الحصين عن أم الحصين جدته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أمر عليكم عبد حبشي يقودكم بكتاب الله عز وجل فاسمعوا له وأطيعوا".
وروى شعبة عن قتادة عن أبي مراية عن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله عز وجل ".
وروى زبيد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف ".
وروى عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فمن أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة".
وروى محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أمركم بمعصية فلا تطيعوه ".
وروى عبد الله بن عثمان بن خيثم عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمن عصى الله عز وجل".
وروى حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن زينب عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طاعة لمن عصى الله عز وجل ".
فاختلفت هذه الأحاديث في ظاهرها، فتأول فيها أهل البدع.
فأما أهل السنة: فقد وضعوها مواضعها، ومعانيها كلها متقاربة عندهم.
فأما أهل البدع: فتأولوا في بعض هذه الأحاديث مفارقة الأئمة والخروج عليهم.
والوجه فيها أن هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضاً، ويصدق بعضها بعضاً.
فأما حديث أبي هريرة الأول الذي ذكر فيها من أطاع الإِمام فقد فسره حديث أبي هريرة الثاني الذي قال فيه: من أطاع أميري ثم بين أنه أيضاً لم يخص أميره إذا أمر بغير طاعة الله، لأنه حين بعث عبد الله بن حذافة فأمرهم أن يقحموا النار
فرجعوا إليه فأخبروه فقال: من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوا.
وأما حديث عبد الله بن عمرو فإنه قد قال فيه: فليطعه ما استطاع. فقد جعل له فيه ثنيا، وإنما يريد الطاعة في المعروف.
وحديث أم الحصين قد اشترط فيه يقودكم بكتاب الله.
وحديث علي رضي الله عنه قد فسره حين قال: إنما الطاعة في المعروف.
وحديث ابن عمر أيضاً مفسر أنه إنما أوجب الطاعة ما لم يؤمر بمعصية.
وكذلك حديث أبي سعيد.
وأما حديث ابن مسعود، وأنس فهما اللذان تأولهما أهل البدع فقالوا: ألا تراه يقول لا طاعة لمن عصى الله عز وجل، فإذا عصى الله لم يطع في شيء، وإن دعا إلى طاعة. وإنما يرد المتشابه إلى المفسر، فما جعل هذا على ظاهره أولى بالاتباع من تلك الأحاديث بل إنما يرد هذا إلى ما بيّن معناه فقوله: "لا طاعة لمن عصى الله "، إنما يريد أنه لا يطاع في معصية. كسائر الأحاديث.
80 – باب كف الأيدي عن قتال الأئمة
روى الأعمش ومنصور عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استقيموا لقريش ما استقاموا لكم، فإذا لم يستقيموا لكم فضعوا سيوفكم على عواتقكم ثم أبيدوا خضراءهم".
وهذا حديث معضل مخالف للأحاديث كلها، وفيه علل واضحة عند أهل العلم. فمن ذلك أني سمعت عفان بن مسلم يقول: لم يسمعه الأعمش من سالم، ولم يسمعه سالم من ثوبان. ومن ذلك أن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان شيئاً البتة، وقد أخبر عن ثوبان أنه كذبه.
وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لثوبان حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "كذبتم عليّ قلتم عليّ ما لم أقل".
فلعله إنما أراد هذا الحديث بعينه، إنهم رووه عنه ولم يقله.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل قرشي صبرا".
ومن ذلك قوله فيه: "أبيدوا خضراءهم". فهذا لا يكون إلا بقتل صغيرهم وكبيرهم. وهذا خلاف حكم الإسلام والقرآن.
ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة".
فكيف يكون هذا وقد أبيدت خضراؤهم؟.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان".
وقوله: "الناس تبع لقريش في الخير والشر".
ومن ذلك قوله: "لا يحل دم أمرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث".
وهذا يقول: فإن لم يستقيموا. وقد يكون من ذلك ما لا يبلغ تحليل الدماء. فهذا حديث ذاهب لا يحتج به عالم، وقد روى هذا الحديث أيضاً من وجوه كلها ضعيفة.
وروى عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف عن علي بن حسين عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أتاكم المصدقون فسألوكم الصدقة فتعدوا عليكم فقاتلوهم". وشيئاً هذا هذا معناه.
وهذا الحديث أيضاً مخالف للأحاديث، فمن ذلك: أن هشام بن حسان وقتادة رويا عن الحسن عن ضبة بن محصن عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد بريء، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا".
فهذا عن أم سلمة، وذاك عن أم سلمة، وهذا أثبت الإسنادين، وهذا موافق للأحاديث، وذاك مخالف لها. وهذا ضبة بن محصن الذي وفد عمر يشكو أبا موسى حتى جمع بينه وبينه وكان له قدر عظيم. وذلك الإسناد ليس بثابت.
ومما يخالفه أيضاً حديث جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتاكم المصدق فلا يفارقكم إلا عن رضى".
ومن ذلك حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم"سيأتيكم ركب مبغضون- يعنى المصدقين- فأدوا إليهم صدقاتكم وارضوهم فإن من تمام زكاتك مرضاهم".
وروى عامر بن السمت عن معاوية بن إسحاق عن عطاء بن يسار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون أمراء- فذكر من فعلهم ثم قال- فمن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن".
وهذا أيضاً خلاف الأحاديث، وهو إسناد لم يسمع حديث عن ابن مسعود بهذا الإسناد غيره، وقد جاء الإسناد الواضح عن ابن مسعود بخلافه.
روى الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سترون بعدي أثرة وفتناً وأموراً تنكرونها". قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله. قال: "تودون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم".
وهذا عن ابن مسعود، وذاك عن ابن مسعود، وهذا أثبت الإسنادين، وهو موافق للأحاديث، وذاك مخالف، ثم تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فكثرت عنه، وعن الصحابة والأئمة بعدهم- رضي الله عنهم- يأمرون بالكف، ويكرهون الخروج، وينسبون من خالفهم في ذلك إلى فراق الجماعة، ومذهب الحرورية وترك السنة"
هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
للامانة العلمية الموضوع منقول