بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قال تعالى :
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99]
قال ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير هذه الآية لكريمة :
" وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَخْطِئَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ الْمُعْرِفَةُ،
فَمَتَى وَصَلَ أَحَدُهُمْ إِلَى الْمَعْرِفَةِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ!!!!
وَهَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ وَجَهْلٌ،
فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ،
كَانُوا هُمْ وَأَصْحَابُهُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ وَأَعْرَفَهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ،
وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ،
وَكَانُوا مَعَ هَذَا أَعْبَدَ النَّاسِ وَأَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً وَمُوَاظَبَةً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ إِلَى حِينِ الْوَفَاةِ.
وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ هَاهُنَا الْمَوْتُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ.
وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ،" انتهى من تفسير ابن كثير رحمه الله(4/554)
وقال محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله تعالى – في تفسيره:
"أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" عند تفسير هذه الآية الكريمة:
"التَّنْبِيهُ الثَّانِي: اعْلَمْ أَنَّ مَا يُفَسِّرُ بِهِ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ بَعْضُ الزَّنَادِقَةِ الْكَفَرَةِ الْمُدَّعِينَ لِلتَّصَوُّفِ،
مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْيَقِينِ الْمَعْرِفَةَ بِاللَّهِ – جَلَّ وَعَلَا -،
وَأَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا وَصَلَ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَةِ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْيَقِينِ، أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْعِبَادَاتُ وَالتَّكَالِيفُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ الْيَقِينَ هُوَ غَايَةُ الْأَمْرِ بِالْعِبَادَةِ.
إِنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِهَذَا كُفْرٌ بِاللَّهِ وَزَنْدَقَةٌ، وَخُرُوجٌ عَنْ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَهَذَا النَّوْعُ لَا يُسَمَّى فِي الِاصْطِلَاحِ تَأْوِيلًا، بَلْ يُسَمَّى لَعِبًا كَمَا قَدَّمْنَا فِي " آلِ عِمْرَانَ ".
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ – صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ هُمْ وَأَصْحَابُهُ – هُمْ أَعْلَمُ النَّاسِ بِاللَّهِ،
وَأَعْرُفُهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ،
وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ أَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً لِلَّهِ – جَلَّ وَعَلَا -،
وَأَشَدَّهُمْ خَوْفًا مِنْهُ وَطَمَعًا فِي رَحْمَتِهِ.
وَقَدْ قَالَ – جَلَّ وَعَلَا -: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} . وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى".اهـ (2/325)
قال الإمام المفسر ابن جرير الطبري -رحمه الله- عند هذه الآية:
"الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْمَوْتُ، الَّذِي هُوَ مُوقَنٌ بِهِ.
وَقِيلَ: يَقِينٌ، وَهُوَ مُوقَنٌ بِهِ، كَمَا قِيلَ: خَمْرٌ عَتِيقٌ، وَهِيَ مُعَتَّقَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ"اهـ
ثم ساق الأحاديث بأسانيده على ما يدل على ذلك ويؤكده.
**** فائدةٌ نفيسة ***
قال ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:
في كتاب روائع التفسير (الجامع لتفسير الإمام ابن رجب الحنبلي)
طبعة دار العاصمة – المملكة العربية السعودية الطبعة: الأولى 1443 – 2001 م
" قوله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99]
عملُ المؤمنِ لا ينقضِي حتى يأتيَه أجلُهُ.
قال الحسنُ: إنَّ اللَّهَ لم يجعلْ لعملِ المؤمنِ أجلاً دونَ الموتِ، ثم قرأ:
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} .
هذه الشهورُ والأعوامُ والليالي والأيامُ كلُّها مقاديرُ للآجالِ،
ومواقيتُ للأعمالِ،
ثم تنقضِي سريعًا،
وتمضِي جميعًا،
والذي أوجدَها وابتدَعها وخصَّها بالفضائلِ وأودَعَها باقٍ لا يزولُ،
ودائمٌ لا يحولُ،
هو في جميع الأوقاتِ إلهٌ واحدٌ،
ولِأعمالِ عبادِهِ رقيبٌ مشاهدٌ،
فسبحانَ مَنْ قلَّبَ عبادَهُ في اختلافِ الأوقاتِ بينَ وظائف الخدمِ،
ليسبغَ عليهم فيها فواضلَ النِّعم،
ويعامِلَهُم بنهايةِ الجودِ والكرمِ،
لَمَّا انقضتِ الأشهرُ الثلاثةُ الكرامُ التي أولها الشهرُ الحرامُ، وآخرُها شهرُ الصِّيام،
أقبلْت بعدها الأشهرُ الثلاثةُ، أشهر الحجِّ إلى البيت الحرامِ،
فكما أنَّ مَنْ صامَ رمضانَ وقامَهُ غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِهِ،
فمنْ حجًّ البيتَ ولم يرفُثْ ولم يفسُقْ رجع من ذنوبِهِ كيومِ ولدتْهُ أمه،
فما يمضِي من عمرِ المؤمنِ ساعةٌ من الساعاتِ إلا وللَّه فيها عليه وظيفةٌ من وظائفِ الطاعات،
فالمؤمنُ يتقلَّبُ بين هذه الوظائفِ،
ويتقرَّبُ بها إلى مولاه وهو راجِ خائفٌ". اهـ
قال العلامة السعدي -رحمه الله عند تفسير هذه الآية الكريمة :
"
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [سورة الحجر: 99] أي: الموت.
أي: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات،
فامتثلَ صلى الله عليه وسلم أمرَ ربِّه فلم يزل دائبًا في العبادة
حتى أتاه اليقين من ربه ، صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا". اهـ
جمع وترتيب أم عبد الرحمن…