النعمان بن ثابت التيمى ، أبو حنيفة الكوفى ، مولى بنى تيم الله بن ثعلبة ، فقيه أهل العراق ، قال حفيده اسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة النعمان : ذهب ثابت – والد أبي حنيفة – إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو حنيفة صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو من الله أن يكون استجاب ذلك لعلي -رضي الله عنه- فينا.
و قيل : إنه من أبناء فارس . ولد: سنة ثمانين، في حياة صغار الصحابة. ورأى أنس بن مالك رضي الله عنه لما قدم عليهم الكوفة. اهـ .
الفقيه المجتهد المحقق، أحد الائمة الاربعة عند أهل السنة , كان كريما في أخلاقه، جوادا، حسن المنطق والصورة، جهوري الصوت، إذا حدث انطلق في القول وكان لكلامه دوي.
عن المثنى بن رجاء، قال: جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار، وكان إذا أنفق على عياله نفقة، تصدق بمثلها.
وروى: جبارة بن المغلس، عن قيس بن الربيع، قال: كان أبو حنيفة ورعا، تقيا، مفضلا على إخوانه. وعن شريك، قال: كان أبو حنيفة طويل الصمت، كثير العقل.
وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد؛ لكثرة صلاته.
قال الإمام مالك، يصفه: رأيت رجلا لو كلمته في السارية أن يجعلها ذهبا لقام بحجته .
وعن الإمام الشافعي: الناس عيال في الفقه على أبي حنيفة.
وأبو نعيم ، قال : كان أبو حنيفة صاحب غوص فى المسائل .
عبد الله بن داود الخريبى يقول : يجب على أهل الإسلام أن يدعوا الله لأبى حنيفة فى صلاتهم . قال : و ذكر حفظه عليهم السنن و الفقه .
و شداد بن حكيم يقول : ما رأيت أعلم من أبى حنيفة .
و قال النخعى : حدثنا إسماعيل بن محمد الفارسى ، قال : سمعت مكى بن إبراهيم ذكر أبا حنيفة ، فقال : كان أعلم أهل زمانه .
وكان أبو حنيفة النعمان – رحمه الله – شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة، على رأسه قلنسوة سوداء طويلة ، وكان جميل الوجه، سري الثوب، عطر الريح.
وهذا أبو يوسف تلميذ أبى جنيفة – رحمهما الله – قال : كان أبو حنيفة ربعة، من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا، وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.
فقيه معتبر من سلسلة شريفة ابتدأت بالإمام علي بن أبي طالب : فأفقه أهل الكوفة: علي، وابن مسعود، وأفقه أصحابهما: علقمة، وأفقه أصحابه: إبراهيم، وأفقه أصحاب إبراهيم: حماد، وأفقه أصحاب حماد: أبو حنيفة، وأفقه أصحابه: أبو يوسف.
بعث الخليفة المنصور إلى ابي حنيفة في الحيرة، ، فقال:
يا أبا حنيفة! إن الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد، فهيئ له من مسائلك الصعاب.
فهيأت له أربعين مسألة، ثم أتيت أبا جعفر وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر، فسلمت، وأذن لي، فجلست. ثم التفت إلي جعفر، فقال: يا أبا عبد الله! تعرف هذا؟
قال: نعم، هذا أبو حنيفة.
ثم أتبعها: قد أتانا.
ثم قال: يا أبا حنيفة! هات من مسائلك، نسأل أبا عبد الله.
فابتدأت أسأله، فكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا، ونحن نقول كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على أربعين مسألة، ما أخرم منها مسألة.
ثم قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس؟.
وكان يحيى بن معين يقول: كان أبو حنيفة ثقة، لا يحدث بالحديث إلا بما يحفظه، ولا يحدث بما لا يحفظ.
وهذا تلميذه أبو يوسف يقول: قال أبو حنيفة: لما أردت طلب العلم، جعلت أتخير العلوم، وأسأل عن عواقبها. فقيل: تعلم القرآن . .. الحديث .. الشعر… الكلام ، قال: « كنت أنظر في الكلام حتى بلغت فيه مبلغا يشار إلي فيه بالأصابع، وكنا نجلس بالقرب من حلقة حماد بن أبي سليمان، فجاءتني امرأة يوما، فقالت لي: رجل له امرأة أمة، أراد أن يطلقها للسنة، كم يطلقها؟
فلم أدر ما أقول، فأمرتها أن تسأل حمادا، ثم ترجع تخبرني.
فسألته، فقال: يطلقها وهي طاهر من الحيض والجماع تطليقة، ثم يتركها حتى تحيض حيضتين، فإذا اغتسلت، فقد حلت للأزواج.
فرجعت، فأخبرتني.
فقلت: لا حاجة لي في الكلام، وأخذت نعلي، فجلست إلى حماد، فكنت أسمع مسائله، فأحفظ قوله، ثم يعيدها من الغد، فأحفظها، ويخطئ أصحابه.
فقال: لا يجلس في صدر الحلقة بحذائي غير أبي حنيفة.
وقال : ليس في العلوم شيء أنفع من هذا، فلزمت الفقه، وتعلمته.
وكان – رحمه الله – يحيي الليل صلاة من العشاء حتى الفجر فعن أسد بن عمرو: أن أبا حنيفة -رحمه الله- صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة. فعن عبد الحميد الحماني: « أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر. قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة، وكان يختم كل ليلة عند السحر.»
وروى: بشر بن الوليد، عن القاضي أبي يوسف، قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة، إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل. فقال أبو حنيفة: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل، فكان يحيي الليل صلاة، وتضرعا، ودعاء. و قال النخعى أيضا : حدثنا محمد بن على بن عفان ، قال : حدثنا على بن حفص البزاز ، قال : سمعت حفص بن عبد الرحمن يقول : سمعت مسعر بن كدام يقول : دخلت ذات ليلة المسجد ، فرأيت رجلا يصلى ، فاستمليت قراءته ، فقرأ سبعا ، فقلت : يركع ، ثم قرأ الثلث ، ثم النصف ، فلم يزل يقرأ القرآن حتى ختمه كله فى ركعة ، فنظرت فإذا هو أبو حنيفة .
و قال النخعى أيضا : حدثنا إبراهيم بن مخلد البلخى ، قال : حدثنا إبراهيم بن رستم المروزى ، قال : سمعت خارجة بن مصعب يقول : ختم القرآن فى ركعة أربعة من الأئمة : عثمان بن عفان ، و تميم الدارى ، و سعيد بن جبير ، و أبو حنيفة .
قال : و قال إبراهيم بن مخلد : حدثنا أحمد بن يحيى الباهلى ، قال : حدثنا يحيى ابن نصر ، قال : كان أبو حنيفة ربما ختم القرآن فى شهر رمصان ستين ختمة !
وروى: نوح الجامع، عن أبي حنيفة، أنه قال: ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فعلى الرأس والعين، وما جاء عن الصحابة، اخترنا، وما كان من غير ذلك، فهم رجال ونحن رجال.
و قال المزى :
و قال مرة : كان أبو حنيفة عندنا من أهل الصدق ، و لم يتهم بالكذب ، و لقد ضربه ابن هبيرة على القضاء فأبى أن يكون قاضيا .
فقد طلب المنصور أبا حنيفة، فأراده على القضاء، وحلف ليلين، فأبى، وحلف: إني لا أفعل. فقال الربيع الحاجب: ترى أمير المؤمنين يحلف وأنت تحلف؟ قال: أمير المؤمنين على كفارة يمينه أقدر مني. فأمر به إلى السجن، فمات فيه ببغداد.
وقيل: دفعه أبو جعفر إلى صاحب شرطته حميد الطوسي، فقال: يا شيخ! إن أمير المؤمنين يدفع إلي الرجل، فيقول لي: اقتله، أو اقطعه، أو اضربه، ولا أعلم بقصته، فماذا أفعل؟
فقال: هل يأمرك أمير المؤمنين بأمر قد وجب، أو بأمر لم يجب؟ قال: بل بما قد وجب. قال: فبادر إلى الواجب.
سئل ابن المبارك: مالك أفقه، أو أبو حنيفة؟
قال: أبو حنيفة.
وقال الخريبي: ما يقع في أبي حنيفة إلا حاسد ، أو جاهل.
وقال يحيى بن سعيد القطان: لا نكذب الله، ما سمعنا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله.
قيل للقاسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود : ترضى أن تكون من غلمان أبى حنيفة ؟ قال : ما جلس الناس إلى أحد أنفع من مجالسة أبى حنيفة ، و قال له القاسم : تعال معى إليه ، فجاء فلما جاء إليه لزمه ، و قال : ما رأيت مثل هذا .
زاد الفرائضى : قال سليمان : و كان أبو حنيفة ورعا سخيا .
وسئل يزيد بن هارون : أيما أفقه أبو حنيفة أو سفيان ؟ قال : سفيان أحفظ للحديث ، و أبو حنيفة أفقه . و قال النخعى أيضا : حدثنا أبو قلابة ، قال : سمعت محمد بن عبد الله الأنصارى ، قال : كان أبو حنيفة يتبين عقله فى منطقه و مشيه و مدخله و مخرجه .
وعبد الله بن المبارك يقول : رأيت أعبد الناس ، و رأيت أورع الناس ، و رأيت أعلم الناس ، و رأيت أفقه الناس ، فأما أعبد الناس فعبد العزيز بن أبى رواد ، و أما أورع الناس فالفضيل بن عياض ، و أما أعلم الناس فسفيان الثورى ، و أما أفقه الناس فأبو حنيفة ثم قال : ما رأيت فى الفقه مثله . وهذا محمد بن بشر ، قال : كنت أختلف إلى أبى حنيفة و إلى سفيان ، فآتى أبا حنيفة فيقول لى : من أين جئت ؟ فأقول : من عند سفيان ، فيقول : لقد جئت من عند رجل لو أن علقمة و الأسود حضرا لاحتاجا إلى مثله . فآتى سفيان فيقول : من أين جئت ؟ فأقول من عند أبى حنيفة فيقول : لقد جئت من عند أفقه أهل الأرض .
روى له الترمذى فى كتاب " العلل " من " جامعه " قوله : ما رأيت أحدا أكذب من جابر الجعفى ، و لا أفضل من عطاء بن أبى رباح .
و روى له النسائى حديث أبى رزين ، عن ابن عباس ، قال :
" ليس على من أتى بهيمة حد " . اهـ .
قال الحافظ في تهذيب التهذيب 10 / 451
( عقب قوله : فى كتاب النسائى حديثه عن عاصم بن أبى ذر عن ابن عباس ، قال : ليس على من اتى بهيمة حد . )
و فى رواية أبى على الأسيوطى و المغاربة عن النسائى قال : حدثنا على بن حجر حدثنا عيسى ـ هو ابن يونس ـ عن النعمان عن عاصم . . . فذكره ، و لم ينسب النعمان .
و فى رواية ابن الأحمر : يعنى أبا حنيفة ، أورد عقيب حديث الدراوردى عن عمرو عن
عكرمة عن ابن عباس مرفوعا : من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به . . . الحديث .
و ليس هذا الحديث فى رواية حمزة بن السنى و لا ابن حيوة عن النسائى .
و قد تابع النعمان عليه عن عاصم : سفيان الثورى .
و مناقب الإمام أبى حنيفة كثيرة جدا ، فرضى الله تعالى عنه و أسكنه الفردوس ،
آمين . اهـ .
وكان عبد الله بن المبارك يقول : إذا اجتمع هذان على شىء فذاك قوى . يعنى : الثورى ، و أبا حنيفة . وكان يقول : إن كان أحد ينبغى له أن يقول برأيه ، فأبو حنيفة ينبغى له أن يقول برأيه .
رأيت أبا حنيفة كـل يــوم *** يزيد نبــالة و يزيد خيـرا
و ينطق بالصواب و يصطفيـه **** إذا ما قال أهل الجور جورا
يقـايس من يقايســه بلــب *** فمـن ذا تجعلـون له نظيـرا
كفانا فقد حماد و كــانـت *** مصيبتنـا بـه أمـرا كبيـرا
فرد شماتة الأعداء عنـــا *** وأبدى بـعده علمـا كثيـرا
رأيت أبا حنيفة حيـن يؤتى *** ويطلب علـمه بحـرا غزيـرا
إذا ما المشكلات تدافعتها *** رجال العلم كان بها بصيـرا
وقال الإمام محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله – عند حديث رقم 397 في السلسلة الضعيفة : أن أبا حنيفة رحمه الله على جلالته في الفقه.
قال الصنعاني في « رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار » : ولا غرابة في أن يكون لمثله أكثر من قول واحد في بعض المسائل وأن يخطئ في بعض آخر فإن ذلك من الأمور الطبيعية التي لا يخلو منها أحد من العلماء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . فإن من المعلوم أن أحدهم كلما طال به الزمن في طلب العلم وتقدم به في ذلك العمر كلما ازداد به معرفة ونضجا وهذا هو السبب في كثرة الأقوال التي تروى في المسألة الواحدة عن بعض الأئمة المتبوعين وبخاصة منهم الإمامين أحمد وأبا حنيفة وتميز الإمام الشافعي من بينهم بمذهبه القديم والجديد . وهذا أبو الحسن الأشعري – إمام الأشاعرة في العقيدة – نشأ في الاعتزال أربعين عاما يناظر عليه ثم رجع عن ذلك وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( المجموع ) ( 4 / 72 )
وقد صرح بهذه الحقيقة الإمام أبو حنيفة رحمه الله حين نهى أبا يوسف عن تقليده فقال له : " لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه " . " وفي رواية : حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي فإننا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غدا "
موته :
كان روح بن عبادة يقول : كنت عند ابن جريج سنة خمسين يعنى و مئة ، و أتاه موت أبى حنيفة ، فاسترجع ، و توجع ، و قال : أى علم ذهب ؟ قال : و مات فيها ابن جريج . عن روح بن عبادة و غيره أن وفاته كانت سنة خمسين و مئة .
ويحدث حفيده إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة ، عن أبيه ، قال : لما مات أبى سألنا الحسن بن عمارة أن يتولى غسله ففعل ، فلما غسله قال : رحمك الله غفر لك لم تفطر منذ ثلاثين سنة ، و لم يتوسد يمينك بالليل منذ أربعين سنة ، و قد أتعبت من بعدك و فضحت القراء .
و قال أحمد بن عبد الله الأسلمى : حدثنا الحسن بن يوسف الرجل الصالح ، قال : يوم مات أبو حنيفة صلى عليه ست مرات من كثرة الزحام آخرهم صلى عليه ابنه حماد ، و غسله الحسن بن عمارة و رجل آخر .
رحم الله أبا حنيفة النعمان وأدخله جنانه مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.
جزاكم الله خيرا و نفع بكم
أسأل الله أن يوفقنا و إياكم لإثراء هذا المنبر الطيب
بالتوفيق إن شاء الله
جزاك الله خيرا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا و نفع بكم أسأل الله أن يوفقنا و إياكم لإثراء هذا المنبر الطيب بالتوفيق إن شاء الله |
وجزاك الله خير الجزاء
نسال الله ان يوفقنا الى ما يحبه ويرضاه و يجعلنا من عباده الصالحين
ويعيننا على فعل الخير
وفيك بارك الله
جزيت الجنة
بارك الله فيك أخي الفاضل في ميزان حسناتك إن شاء الله
جزيت الجنة |
اللهم امين واياكم