قال الإمام محمد الأمين: العملُ على أربعةِ أنواعٍ، هي التي إذا عَمِلَهَا الإنسانُ على غيرِ الوجهِ المشروعِ كان عملُه عملَ سوءٍ.
إلى أن قال: الرابعُ: هو التركُ، والتركُ من الأفعالِ الحقيقيةِ، فهو فعلٌ على التحقيقِ ، وإن خَالَفَ فيه مَنْ خَالَفَ، فَمَنْ تركَ الصلاةَ حتى ضاعَ وقتُها فقد عَمِلَ بهذا التركِ عملاً سَيِّئًا يدخلُ به النارَ، وكان ابنُ السبكيِّ في بعضِ تآليفِه في الأصولِ يقولُ: طالعتُ كتابَ اللَّهِ لأجدَ فيه آيةً تدلُّ على أن التركَ فعلٌ فما وجدتُ فيه شَيْئًا يدلُّ على أن التركَ فعلٌ إلا شيئًا يُفْهَمُ من آيةٍ في سورةِ الفرقانِ هي قولُه: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: آية 30] قال: الاتخاذُ أصلُه من الأخذِ، والأخذُ: التناولُ. فقال: تَنَاوَلُوهُ مهجورًا. فَدَلَّ على أن الهجرَ فِعْلٌ. ونحن نقولُ: إِنَّا باتباعِ كتابِ اللَّهِ وَجَدْنَا آياتٍ صريحةً من كتابِ اللَّهِ تدلُّ بصراحةٍ لا شكَّ فيها على أن التركَ من الأفعالِ، منها: آيتانِ في سورةِ [المائدة] ، ذَكَرْنَاهُمَا فيما مَضَى، إِحْدَاهُمَا قولُه تعالى: {لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: آية 63] فَسَّمَى عدمَ نهيهِم وتركهِم للأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ سَمَّاهُ: (صُنْعًا)، والصُّنعُ أَخَصُّ من مطلقِ الفعلِ، ومنه قولُه تعالى في المائدةِ أيضًا: {كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} ثم قال: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: آية 79] يعني به تركَهم للتناهِي عن المنكرِ، سَمَّاهُ (فعلاً) وأنشأَ له الذمَّ بقوله: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}. هذه الأقسامُ الأربعةُ هي الأفعالُ، واللغةُ العربيةُ تَدُلُّ على أن التركَ من الأفعالِ، وقد قال بعضُ الصحابةِ لَمَّا أراد النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – عند أولِ مجيئِه لهذه المدينةِ مُهَاجِرًا عند بنائِه هذا المسجدَ الكريمَ، كانوا يحملون المؤونةَ لِيَبْنُوهُ، وواحدٌ جالسٌ، فرأى النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – يعملُ معهم، فقال رَاجِزًا : لَئِنْ قَعَدْنَا وَالنَّبِيُّ يَعْمَلُ لَذَاكَ مِنَّا الْعَمَلُ الْمُضَلَّلُ فَسَمَّى تركَهم للعملِ سَمَّاهُ (عَمَلاً مُضَلَّلاً) وبهذا يُعْلَمُ أن قولَه في هذه الآيةِ الكريمةِ: {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا} أن عَمَلَ السوءِ قد يكونُ بفعلِ أحدِ الجوارحِ، وقد يكونُ بفعلِ اللسانِ، وقد يكونُ بالعزمِ المصممِ، كما قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» . وقد يكونُ بتركِ ما أَوْجَبَهُ اللَّهُ جل وعلا. العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ فِي التَّفْسِيرِ (1/344-346) |
||
شكرا جزيلا بارك الله فيك
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته :
بارك الله فيك
بارك الله فيك
بارك الله فيك
جزاك الله خيرا وبارك فيك واثابك الجنة ان شاء الله
بارك الله فيك