أما بعد:
فيقول الله جل وعلا مبينا حقيقة وأمرا لابد لكل إنسان منه، لايرده مال ولا ملك ولا ناصر إنها ساعة الإحتضار والإنتقال من دار الدنيا إلى دار الآخرة وفراق الأهل والمال يقول الله جل وعلا 🙁 وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد)(قـ : 19 )، جاءت سكرة الموت وما أدراك ما هذا المجيء، إنه مجيء لا مناص عنه، ولا مهرب إنه بداية نهايتك في هذه الدنيا، والإقبالُ على الآخرة إنها والله ساعة مهولة ذات كرب شديدة ؛ لو تفكرت في حلولها وأنت في نعيم وهناء لهانت الدنيا عليك، وصغرعظيمها في عينيك، كيف لا وأنت تفارق المال والولد، والأحباب والأصحاب إلى دار الحساب، أهوال تهول عندها أهوال حتى تنتهيَ إلى أحد الفريقين:? فريق في الجنة وفريق في السعير?، ولشدة سكرات الموت التي أصابت خير الأنبياء وأكرم الخلق على رب العالمين، لقد قال صلى الله عليه وسلم وهو يدخل يديه في ركوة ماء ويمسح بها وجهه كان يقول:« لا إله إلا الله إن للموت لسكرات»، ولما رأت فاطمةُ رضي الله عنها ما برسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرب الشديد الذي يتغشاه قالت:" واكرب أبتاه " فقال لها:« ليس على أبيك كرب بعد اليوم ».
اللهم هون علينا سكرات الموت إذا حلت، وثبتنا إذا وقعت وثقل اللسان وأوغرت العينان، ومدت الأكفان يا أرحم الراحمين ويا أكرم الأكرمين.
يروى في الحديث:« أنه ما من أحد يموت إلا ندم إن كان محسنا ندم أن لايكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم أن لايكون نزع واستغفر وتاب »
قال الحسن البصري رحمه الله: فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحاً، فضح الموت الدنيا لم يترك لذي لب فرحاً، كيف يغفل العبد عن طاعة الله وأداء الصلوات وهو يعلم أن وراء الموت: القبر وظلمته، والصراط ودقته، والحساب وشدته، أمور عظام مهولة، والنهاية جنة أو نار.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول و عمل.
بكى الحسن البصري عند موته وقال: نفس ضعيفة وأمر مهول عظيم، إنا لله وإنا إليه راجعون.
عن بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه، فقال يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوفر من هذا فقال صلى الله عليه وسلم:« مالي وللدنيا ، ما مثلي والدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف فاستظل تحت شجرة ثم راح وتركها».
ولمعرفة صفة هذا الموت الذي لا يحس ألمَه إلا من يعانيه، فقد قال عمر رضي الله عنه لكعب: أخبرني عن الموت؟ فقال:" يا أمير المؤمنين هو مثلُ شجرة كثيرة الشوك في جوف بن آدم، وهو كرجل شديد الذراعين فهو يعالجها ينتزعها".
لما احتضر عامر بن عبد الله بكى وقال:" لمثل هذا المصرع فليعمل العاملون، اللهم إني أستغفرك من تقصيري وتفريطي وأتوب إليك من جميع ذنوبي لا إله إلا أنت ثم لم يزل يرددها حتى مات رحمه الله ".
وانظر إلى تأسفهم على الدنيا وما فيها، لعلمهم أنها دار عمل فقد بكى أحد العباد فقيل له: مايبكيك؟ فقال:" أن يصوم الصائمون ولست فيهم و يذكر الذاكرون ربهم ولست فيهم و يصليَ المصلون ولست فيهم".
إن الموت الذي تقدم وصفه كل منا ملاقيه، كل منا سيمر بتلك اللحظات العصيبة الأنفاس مضطربة، والعين حائرة كسيرة، والقلب في وجل وخوف،إنها ساعة الإحتظار التي قال فيها عمرو بن العاص رضي الله عنه لما سئل عنها وهو يموت فقال:" والله لكأني أتنفس من سم إبرة وكأن غصن شوك يجر به من قدميَ إلى هامتي"، هذا هو الموت وشدته فتذكر عبد الله تلك الساعة لا تدري من أي الأبواب ستدخل وأي الدارين تسكن فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال ميمون بن مِهْران من أراد أن يعلم منزلته عند الله فلينظر في عمله فإنه قادم على عمله كائنا من كان قال الله جل وعلا:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقال ربنا جل جلاله:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ).
قال بعضهم دخلنا على عطاء السلمي نعوده في مرضه الذي مات فيه فقلنا له كيف ترى حالك فقال :" الموت في عنقي والقبر بين يدي والقيامة موقفي وجسر جهنم طريقي و لا أدري ما يفعل بي ثم بكى بكاء شديدا وقال : اللهم ارحمني وارحم وحشتي في قبري ومصرعي وارحم مقامي بين يديك ياأرحم الراحمين".
قال الخليفة عبد الملك بن مروان في مرض موته: ارفعون ، فرفعوه حتى شم الهواء وقال:" يادنيا ما أطيبك إن طويلك لقصير وإن كثيرك لحقير وإنا كنا بك لفي غرور، وقيل له في مرض موته: كيف تجدك؟ فقال:" أجدني كما قال الله جل وعلا:﴿ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ﴾ (الأنعام : 94 ).
قال بن السِمَاك:" إن استطعت أن تكون كرجل ذاق الموت وعاش ما بعده، ثم سأل الرجعة فَأُسْعِفَِ في طلبه وأعطيَ حاجته فهو متأهب مبادر نفعا، فإن المغبون من لم يقدم من ماله شيئا، ومن نفسه لنفسه ".
عباد الله : إننا ونحن نسمع قصص السلف ومواقفهم هذه لحري بنا أن نكون مثلهم
في الاجتهاد والعبادة، والاستعداد للموت قبل حلوله، وليكن المؤمن على خوف ووجل من ربه جل وعلا ، وإياك أيها العبد الموفق إياك أن تحتقر ذنبا، فلا تبالي به ولا تندم على فعله فإن هذا خطرعظيم، يروى أن بن المنكدر لما حضرته الوفاة جعل يبكي فقيل له ما يبكيك؟ فقال:" والله ما أبكي لذنب أعلم أني أتيته ولكن أخاف أني أتيت شيئا حسبته هينا وهو عند الله عظيم ".
إن ذكر الموت وسكرتِه وفضاعتِه تفزع منه النفوس وتقشعر القلوب ويصلح به العمل ويعظم الاستعداد ليوم الرحيل، ها هو عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول:" لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد "، سئل أحد السلف ما بالنا نحب الحديث في الدنيا ونكره الحديث في الموت؟ فقال :" لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فأنتم تكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب"، قال المزنيُ دخلت على الشافعي في علته التي مات فيها، فقلت كيف أصبحت ؟ فقال:" أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولكأس المنية شاربا، ولسوء عملي ملاقيا، وعلى الله واردًا، فلا أدري روحي تصير إلى الجنة فأهنيها، أو إلى النار فأعزيها " ثم بكى رحمه الله وغفر له.
اللهم ياحي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام ، اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله.
اللهم ياحي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام ، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول و عمل.
أقول هذا وأستغفر الله.
الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فلقد كان فقه السلف في هذا الباب عظيما، ها هو سفيان الثوري رحمه الله بكى ليلة إلى الصباح فلما أصبح قيل له: أكل هذا خوفا من الذنوب؟ فأخذ تبنة من الأرض وقال :" الذنوب أهون من هذه، وإنما أبكي من سوء الخاتمة "، وهذا من أعظم الفقه ، أن يخاف الرجل أن تخدعه ذنوبه عند الموت، فتحول بينه وبين الخاتمة الحسنى.
قال بعض الحكماء:" إعلم أن الخاتمة السيئة – أعاذنا الله منها – لا تكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه، ما سمع بهذا و لاعُلم به ولله الحمد، إنما تكون لمن له فساد في العقيدة، أو إصرار على الكبيرة وإقدام على العظائم، ولربما غلب ذلك عليه حتى نزل به الموت قبل التوبة، فيأخذه قبل إصلاح الطوية، فيظفر به الشيطان ويختطفه في تلك اللحظة والعياذ بالله ".
لما نزل الموت بسليمان التيمي وكان من العباد، قيل له: أبشر لقد كنت مجتهدا في طاعة الله ، فقال:" لا تقولوا هكذا فإني لا أدري ما يبدوا لي من الله عزوجل فإنه سبحانه يقول:( وبدا لهم من الله مالم يكونوا يحتسبون) (الزمر : 47 ) عملوا أعمالا كانوا يظنونها أنها حسنات فوجودها سيئات"، فاللهم احفظنا يا أرحم الراحمين.
إن دار الدنيا دار العمل والتزود من طاعة الله قبل الرحيل، فاليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل، والخروج من دار العمل إلى دار الحساب شديد، كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله :" الدخول في الدنيا هين ، ولكن الخروج منها شديد ".
فاستعدوا رحمكم الله بالعمل قبل أن يحال بينكم وبينه، فها هو القعقاع بن حكيم يقول:" قد استعددت للموت منذ ثلاثين سنة !، فلو آتاني ما أحببت تأخير شيء عن شيء ".
واحْتُضِر بعض الصالحين فبكت امرأته، فقال: ما يبكيك ؟ قالت: عليك أبكي، قال :" إن كنت باكية فابك على نفسك، فأما أنا فقد بكيَت على هذا اليوم منذ أربعين سنة" الله أكبر!!، إنه الا ستعداد للموت قبل الفوت، أين نحن من هؤلاء في الخوف من الله ، والحرص على الطاعات واجتناب المحرمات، تأمل بارك الله فيك في ساعة احتضارك وحلول الموت ببابك.
إن مشهد الاحتضار مؤثر مقلق حين تبلغ الروح الحلقوم ويقف صاحبها على باب عالَم آخر ومن حوله مكتوفوا الأيدي عاجزون لا يملكون له شيئا:( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد) (قـ : 19 ) قد شلت قدمك ، ويبست يدك ، وشخص بصرك ، وخَرِصَ لسانك وهُدت أركانك.
فيا أيها العبد الحقير الذليل: إعلم أن من خاف الوعيد قصرعليه البعيد، ومن طال أمله قصرعمله، كل ماهوآت قريب، واعلم أن كل شيء يشغلك عن خالقك فهو مذموم ، و أن أهل الدنيا جميعا من أهل القبور، صغيرُهم، وكبيرُهم ،غنيهم، وفقيرهم، عما قليل إليها منتقلون وعما قدمت أيديهم مسؤولون، ﴿ وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ﴾ (الشعراء : 227 ).
قال الأعمش: كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المُعَزى فيها لكثرة الباكين وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت.
زوروا القبور وتذكروا الجنة ونعيمها والنظر إلى وجه الرب جل جلاله، وتذكروا النار وما فيها من الأغلال والسلاسل والحديد والمقامع، وكيف يشرب أهلها شرابا من حميم يصهربه ما في بطونهم والجلود، عجبا!! عجبا!! لذاكر الموت كيف يلهو، ولخائف الفوت كيف يسهو، عجبا!! لمن يقدم على عل معصية الله ويضيع الصلوات ويجاهر الجبار بالمعاصي ، فاللهم احفظنا يا أرحم الراحمين.
عن صهيب رصي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:« إذا دخل أهل الجنة الجنة ، و أهل النار النار، نادى مناد : يا أهل الجنة إن لكم عند ربكم موعدا يريد أن ينجزكموه ، فيقولون : و ما هو ؟ ألم يثقل موازيننا ، و يبيض وجوهنا ، و يدخلنا الجنة و ينجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب ، فينظرون إليه ، فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إليه و لا أقر لأعينهم ».
اللهم إنا نسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وعذابها.
اللهم يا حي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام، اللهم اختم لنا بالحسنى،اللهم اختم لنا بالحسنى.
اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار، اللهم أعتق رقابنا من النار.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
للشيخ سلطان العيد
بارك الله فيكم وسدد خطاكم
وجلعكم من اهل الجنة الطيبين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم وسدد خطاكم وجلعكم من اهل الجنة الطيبين
|
اللهم أمين واياكم