في صباح كل يوم تركب تلك البنت الصغيرة مع والدها ، يذهب بها إلى المدرسة، ثم في الظهيرة تقف في الباب ليأتي الوالد بسيارته ليأخذها.
استمرت الطفلة على هذا الحال ؛ وفي صباح يوم أوصلها والدها إلى باب المدرسة وودعها ماضيا إلى حال سبيله؛ وقد ألقى عليها نظرة ممزوجة بشيء من الحزن لا يعرف سببه.
فلما كان موعد انصرافها وقفت تلك الصغيرة تنتظر على عادتها ،وعيناها تتلقف المارة تنتظر ذلك الوالد الغائب.
لقد تأخر هذه المرة على غير عادته .
أين هو الآن ؟!
انتظرت قليلا وبدأ القلق والخوف يتسلل إلى داخلها؛ ثم أتبعتها بدمعة خوف غير طبيعي تسيل على خدها دون شعور وكأنها تحس بشيء غريب يغزو قليبها الصغير بعد أن سئمت الانتظار.
أين أنت يا أبي؟!
جاء الخبركالصاعقة.. والدك توفي!!
ما أصعب الحياة.. يعني أنها صارت يتيمة!
كانت تنعم بالعيش الطيب وتعطي؛ وإذ بالخوف من مد الأيدي للناس بعد رحيل الوالد يزعجها.
كانت تنعم بدفء الأبوة، وهاهي ترى الأطفال ينعمون بالدفء وهي حرمت منه.
لكن ألا تتصور أيها القارىء الفاضل؛ أنه يجب حماية هؤلاء الأيتام وكفالتهم والرحمة بهم حتى لا يحسون بالنقص.
هل تدري أن هذا الخلق العظيم مما تميز به ديننا العظيم ، قال :"هل تريد أن يلين قلبك؛ فأطعم المسكين وامسح على رأس اليتيم"( ).
وقال :" أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما"( ).
فكم من الأيتام في عالمنا الإسلامي – وربما كانوا بين بيوتنا- فهل فكرت أن ترعى واحدا منهم تريد بذلك وجه الله؟
ولكن أتدرون أيها الفضلاء أنه يوجد في مجتمعاتنا أطفال يعيشون أيتاماً بالرغم من وجود والديهم؟!
تأمل.. والد لا ينفق على أبنائه؛ وآخر يعامل أطفاله بوحشية؛ وأخرى تخرج تتسكع يميناً ويساراً ؛ مخلفة أولئك الأطفال ذوي الأفئدة التي تشبه أفئدة الطيور في البيوت قابعين مع الخدم يقومون بتربيتهم وهي خراجة ولّاجة ، دون عمل ولا حاجة.
أتدرون؟
ليس اليتيم من انتهى أبواه من
هم الحياة وخلفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلقى لــه
أمّاً تخلت أو أباً مشغولا
لماذا بعض الناس قد جعل أطفاله أيتاماً وهو حي ؟
لا ابتسامة؛ ولا رحمة؛ ولا نزهة؛ ولا اجتماع بهم ليعرف همومهم.
هل تتصورون أن التيتم فقط هو موت الأب؛ وانتقاله إلى الدار الآخرة؟
بل لربما كان فقد الأب وهو حي أشد وأعظم.
جرب ..وجربي..
أن تكونا قريبين من أبنائكم؛ تتلمسون مشاكلهم؛ وتعرفون نفسياتهم؛ وتحسون بالرحمة تتحرك في قلوبكم تجاههم؛ والله إنها قمة السعادة.
ما أسعدها من لحظات؛ حين تقبل على المنزل فتجد ابتهاج أبنائك بك؛ إن هذا دليل على رحمتك وصلتك بهم.
أما إن وجدت منهم جفاء فاعلم أنك حصدت ما بذرت يداك.
نسأل الله أن يصلح أحوالنا .. آمين.
جزاك الله خير
نترقب المزيد
بالتوفيق