هل قوله تعالى : {يد الله فوق أيديهم} , أي يده سبحانه حقيقة أم يد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل قوله تعالى : {يد الله فوق أيديهم} , أي يده سبحانه حقيقة أم يد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه , أما بعد : أُشكل على بعض إخواننا من العوام تصريح الشيخ العلامة الفقيه العثيمين رحمه الله تعالى أن المقصود من قوله تعالى (يد الله فوق أيديهم) أي يد النبي صلى الله عليه وسلم ! , فقالوا ( وهذا تأويل صريح ! )
فأقول بحول الله وقوته :
لقد اختلف علماء السنة في تفسير هذه الآية فمنهم من فسّرها بأنها يد الله حقيقة – وهو الراجح إن شاء الله تعالى – , ومنهم من فسرها أنها يد النبي صلى الله عليه وسلم وأضيفت إلى الله لأنه رسوله مثل العثيمين رحمه الله – ثم وقفت على كلام له مغاير لما قرّره كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى – , ومنهم من لم يُصرّح أو قوله محتمل مثل العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى ..
ولا خلاف بين أهل السنة كافّة في إثبات صفة اليد لله سبحانه ولكنّ الخلاف هو في تفسير هذه الآية لا أكثر …
قال العلامة ابن كثير رحمه الله كما في "تفسيره" :
(يد الله فوق أيديهم) أي هو حاضر معهم يسمع أقوالهم ويرى مكانهم ويعلم ضمائرهم وظواهرهم فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن, ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}. وقد قال ابن أبي حاتم: حدثناعلي بن الحسين, حدثنا الفضل بن يحيى الأنباري: حدثنا علي بن بكار عن محمدبن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سل سيفه في سبيل الله فقد بايع الله» وحدثنا أبي, حدثنا يحيى بن المغيرة, أخبرنا جرير عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحجر «والله ليبعثنه الله عز وجل يوم القيامة له عينان ينظر بهما ولسان ينطق به ويشهد على من استلمه بالحق فمن استلمه فقد بايع الله تعالى» ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم} ولهذا قال تعالى ههنا: {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} أي إنما يعود وبال ذلك على الناكث والله غني عنه {ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً} أي ثواباً جزيلاً. وهذه البيعة هي بيعة الرضوان وكانت تحت شجرة سمر بالحديبية, وكان الصحابةرضي الله عنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قيل ألفاًوثلثمائة, وقيل وأربعمائة, وقيل وخمسمائة, والأوسط أصح "
انتهى كلام ابن كثير رحمه الله
=-=-=-=-=-=–=-=– وكما ترى أن الأحاديث التي استدل بها العلامة بن كثير رحمه الله كلها ضعيفة لا تخلو من مقال ولا أدري لعل العلامة بن كثير لم يقصد أنها يد النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة فهو كثيرا ما يذكر لازم الصفة فقط في تفسيره لذا فقد ظن بعض من لا يحسن الفهم أنه يتأول الصفات ! وهذا خطأ وغير صحيح وهذا الذي أشار إليه – أو مال إليه والله أعلم – الإمام ابن كثير رحمه الله , هو الذي ذهب إليه العلامة الفقيه العثيمين رحمه الله كما في شرحه على العقيدة الواسطية الشريط الحادي عشر وقال: أن اليد هنا في هذه الآية هي يد رسول الله وأضيفت لرب العزة لأنه رسوله واستشهد بقوله تعالى : (( فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ))….فقال من الذي قرأ ؟ أليس هو جبريل عليه السلام ؟؟ ومع ذلك أضافها الله إليه لأن جبريل عليه السلام هو رسوله …إلخ كلامه رحمه الله تعالى
وقد سئل الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى
السؤال : هل أهل السنة يؤولون اليد في قوله تعالى: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم )؟ الإجابة: " ينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموماً كله، بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل، وما دل عليه الدليل يسمي تفسيراً، سواء كان الدليل متصلاًبالنص، أو منفصلاً عنه، فصرف الدليل عن ظاهره ليس مذموماً على الإطلاق.
ومثال التأويل بالدليل المتصل ما جاء في الحديث الثابت في صحيح مسلم في قوله تعالى في الحديث القدسي: "عبدي جعت فلم تطعمني، ومرضت فلم تعدني"، فظاهر هذا الحديث أن الله نفسه هو الذي جاع وهو الذي مرض، وهذا غير مراد قطعاً، ففسر هذا الحديث بنفس الحديث: "فقال: أما علمت أن عبدي فلاناً جاع فلم تطعمه، وعبدي فلاناً مرض فلم تعده"،فالذي صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى هو الحديث القدسي نفسه، فلا يقال: إن صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى الثاني تأويل مذموم.
وقال تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}، فظاهر اللفظ أنك إذا بدأت القراءة لم تستعذ، لكن قد دل الدليل المنفصل على أن معنى: {إذا قرأت} أي إذا أردت أن تقرأ.
لكن عبَّر عن الإرادة بالفعل ليبين أن المراد بذلك الإرادة المقترنة بالفعل لا الإرادة السابقة، ولو أراد التعبير بالفعل لكان الإنسان إذا أراد في الصباح أن يقرأ في المساء قلنا له: "استعذ بالله من الشيطان الرجيم" لأنك ستقرأ في آخر الليل، لكن لما عبر بالفعل عن الإرادة دل على أن الإرادة هي الإرادة التي يقترن بها الفعل.
فإذا فهمنا هذه القاعدة وهي أن التأويل الذي قام الدليل عليه ليس مذموماً عرفنا الجواب عن الآية التي ساقها السائل.
فهل الصحابة في صلح الحديبية كانوا يبايعون الله؟ هم في الحقيقة كانوا يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، وذلك في قوله سبحانه: ( يبايعونك ) ، لكن لما كان الرسول مبلغاً عن الله سبحانه صارت مبايعة الرسول كمبايعة الله، وصار الذي يبايعه كأنما يبايع الله.
وقوله تعالى: (يد الله فوق أيديهم) المعلوم أن يد الله حقيقة ليست فوق أيديهم، وأن التي فوق أيديهم عندالمبايعة هي يد الرسول صلى الله عليه وسلم لكن الرسول كان مبلغاً عن الله.
ويجوز أن نقول: ( يد الله فوق أيديهم) على سبيل العلو المطلق، فالله سبحانه بذاته فوق كل شيء، والله أعلم. "
المصدر :
مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين المجلد الأول – باب الأسماء والصفات.
ثم وقفت على كلام للشيخ العثيمين رحمه الله مغاير لما قرّره فيما سبق من هذه الفتاوى ولعله هو القول الأخير له والله أعلم قال العثيمين رحمه الله في شرحه على ( القواعد المثلى ) :
" الجملة الثانية : قوله تعالى : { يد الله فوق أيديهم } [ الفتح : 10]
وهذه أيضاً على ظاهرها وحقيقتها فإن يد الله تعالى فوق أيدي المبايعين لأن يده من صفاته وهو سبحانه فوقهم على عرشه فكانت يده فوق أيديهم وهذا ظاهر اللفظ وحقيقته وهو لتوكيد كون مبايعة النبي صلى الله عليه سلم مبايعة الله عز وجل ولا يلزم منها أن تكون يد الله جل وعلا مباشرة لأيديهم ألا ترى أنه يقال : السماء فوقنا مع أنها مباينة لنا بعيدة عنا فيد الله عز وجل فوق أيدي المبايعين لرسوله صلى الله عليه وسلم مع مباينته تعالى لخلقه وعلوه عليهم . " انتهى كلامه رحمه الله
وقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في ( الفتاوى 1/429) :
" فَإِنْ سُئِلْنَا أَتَقُولُونَ لِلَّهِ يَدَانِ ؟ قِيلَ : نَقُولُ ذَلِكَ وَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) وقَوْله تَعَالَى { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ } وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { إنَّ اللَّهَ مَسَحَ ظَهْرَ آدَمَ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّتَهُ وَخَلَقَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ } وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ بِيَدِهِ وَخَلَقَ جَنَّةَ عَدْنٍ بِيَدِهِ وَكَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ وَغَرَسَ شَجَرَةَ طُوبَى بِيَدِهِ } وَلَيْسَ يَجُوزُ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَلَافِي عَادَةِ أَهْلِ الْخِطَابِ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ عَمِلْت كَذَا بِيَدِي وَيُرِيدَ بِهَا النِّعْمَةَ "انتهى كلامه رحمه الله
وقال العلامة الحافظ الشنقيطي رحمه الله كما في تفسيره
" قوله تعالى : { ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُغْشِي الليل النهار } الآية . هذه الآية الكريمة وأمثالها من آيات الصفات كقوله يدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [ الفتح : 10 ] ونحو ذلك . أشكلت على كثير من الناس إشكالاً ضل بسببه خلق لا يحصى كثرة ، فصار قوم إلى تعطيل وقوم إلى التشبيه – سبحانه وتعالى علواً كبيراً عن ذلك كله – والله جل وعلا أوضح هذا غاية الإيضاح ، ولم يترك فيه أي لبس ولا إشكال ، " وحاصل تحرير ذلك أنه جل وعلا بين أن الحق في آيات الصفات متركب من أمرين : أحدهما : تنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الحوادث في صفاتهم سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً . والثاني : الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم . لأنه لا يصف الله اعلم بالله من الله أ*- فمن نفى عن الله وصفاً أثبته لنفسه في كتابه العزيز، أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم زاعماً أن ذلك الوصف يلزمه ما لا يليق بالله جل وعلا، فقد جعل نفسه أعلم من الله ورسوله بما يليق بالله جل وعلا . { سُبْحَانَكَ هذا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } [ النور : 16 ] .
ب*- ومن اعتقد أن وصف الله يشابه صفات الخلق ،فهو مشبه ملحد ضال ،
ت*- ومن أثبت لله ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم مع تنزيهه جل وعلا عن مشابهة الخلق،فهو مؤمن جامع بين الإيمان بصفات الكمال والجلال ، والتنزيه عن مشابهة الخلق ،سالم من ورطة التشبيه والتعطيل ، والآية التي أوضح الله بها هذا ."
وبهذا تعلم أن المقصود باليد في هذه الآية هي يد الله على الحقيقة وأن من قال من أهل السنة بأنها يد النبي صلى الله عليه وسلم – مع إثباته لصفة اليد لله جل وعلا – قوله مرجوح وقد أصاب فيه أجرا واحدا …والله أعلم
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم
للامانة الموضوع منقول
|
||
بانتظاار المزيد
جزاك الله كل خير
وجعله في ميزان حسناتك