" بسم الله الرحمان الرحيم "
نازك الملائكة ومفهومها للشعر الحر
كان الشعر الحر عند نازك الملائكمة قائماً على أساس راسخ من العروض العربية غير ان الجمهور وقف موقف المقاوم لهذا المفهوم اذ انه لم يتقبل هذا الشعر الجديد، وسبب رفضه لا يعدو ان يكون احد اثنين اما انه متاخر في ثقافته ووعيه الشعري والادبي وتذوقه عند شعرائه الشباب، واما انه محق في رفضه لهذا الشعر لسبب وجيه ما. وحاولت نازك الملائكة دراسة اسباب الرفض دراسة دقيقة، فوجدتها ترجع الى ثلاثة اصناف من العوامل: 1- عوامل تتصل بطبيعة الشعر الحر واختلافها عن طبيعة اسلوب الشطرين. 2- وعوامل تنشا من ظروف الشعر العربي في تلك المرحلة التي ولد فيها الشعر الحر. 3- عوامل تنشأ من اهمال الشعراء الذين يكتبون الشعر الحر، وعدم اهتمامهم وعنايتهم، وقلة معرفتهم به، وضعف اسماعهم الموسيقية وقد حددت نازك بعض المشكلات والمزالق في الشعر الحر منها: 1- المزايا المضللة: تقول نازك ان الاوزان الحرة تبدو وكانها تمتلك مزايا عظيمة تسهل على الشاعر مهمة التعبير، وتهيء له جواً موسيقياً جاهزاً يستطيع ان يمنحه قصيدته دونماً جهد كبير والحقيقة ان ما يبدو لنا اول وهلة مزايا.. ينقلب حين نفحصه الى مزالق خطرة، وقد حددت نازك الملائكة هذه المزالق كالتالي: أ- الحرية البراقة التي تمنحها الاوزان الحرة للشاعر.. فما يكاد يبدأ قصيدته حتى تغلب عليه الهولة، فلا قافية تضايقه ولا عدد معيناً للتفعيلات يقف في سبيله وانما هو حر، سكران بالحرية.. فتتحول الحرية الى فوضى كاملة. ب_ الموسيقية التي تمتلكها الاوزان الحرة، فهي تساهم مساهمة (كذا) كبرى في تضليل الشاعر عن مهمته.. لان موسيقية الوزن وانسانيته يخدعان ويخفيان العيوب. عيوب الوزن الحر حددت نازك عيوباً لاوزان الشعر الحر وحصرتها بعاملين: الاول: اقتصاره على عشرة بحور من بحور الشعر العربي، بحيث يصبح اقتصار الشعر الحر على نصف ذلك العدد نقصاً ملحوظاً فيه. والثاني: ارتكاز اغلب الشعر الحر -ستة بحور من ثمانية- على تفعيلة واحدة، وذلك يسبب رتابة مملة، خاصة حين يريد الشاعر ان يطيل قصيدته. ومن خلال مطالعة نازك للشعر الحر، فقد نضجت في نفسها، كما تقول ملاحظات علينا في اي عروض نكتبه للشعر الحر، ان ننتبه وهي اربع قضايا: 1- الوتد المجموع: لقد وجدت نازك ان شعراء القصيدة الحرة يقابلون الوتد بقلة اكتراث ويتركونه، في الاحيان كثيرة، يهدم الحانهم ويضعف موسيقى شعرهم من دون ان يحسوا وسبب ذلك، هو ان هؤلاء الشعراء تنقصهم الدراسة العروضية، مما ادى الى مهاجمة القارئ للشعر الحر وقد يقع الشاعر ببعض الاخطاء في الشعر الحر، ويتخلص منها باحدى الطرق التالية: أ- انه يورد في اخر كلمة لا في اولها. ب_ ان يورد الوتد في النصف الاول من الكلمة على ان يكون اخره حرف علة. ت_ واذا وقف الوتد على حرف صلد فبشروط، وذلك بان يكون وقوعه كذلك نادراً بحيث يدر الى جواره وقد يختم كلمة، ووتد اخر يقف على حرف مد ومن خلا لهذا الكلام وجدت نازكاً تعيب بيتاً لفدوى طوقان، اذا وجدت فيه اربع وقفات – الاوتاد المجموعة على حرف صلد غير ممدود بينها الياء الساكنة غير الممدودة، وحكمها في هذا الموضع حكم الحرف الصلد الامر الذي القى على الكلمات هبئاً ثقيلاً وكسرها تكسيراً.. (فالشطر) خال من ليونة الموسيقى والتدفق الشعري الرقيق، لان الوتد هنا اقوى من الكلمة بحيث قطع اوصالها. ولو كان الشاعر اختارت مواقف ساكنة على حروف ممدودة ينتهي عندها الوتد لساعد ذلك الشطر والحق فان مثل ها التقرير امر ذوقي يختص بنازك وليس شرطاً ان يعمم على شاعر او شعراء تتملكهم حمى الشعر وسبب ذلك ان الشاعر وهو في خضم الحالة الشعرية لا يتحرى حروف المد او الحروف الصلدة لان مثل هذا (التحري) لابد له باي شكل من الاشكال ان يقف مانعااً بوجه تدفق الانفعال، او يعرقل عملية الانسجام التي يفترض ان تخطو مع خطوات سير العملية الشعرية. وفضلاً عن ذلك فان الطريقة التي يستعمل الشاعر بها الالفاظ استعمالاً ناجحاً ولكنه لايدري كيف تتم العملية كما يقول رتشاردز وقد حاولت ان استقصي اقوالها المنثورة فوجدتها تصطدم او تتعارض ماخططت له في هذه القضية. تقول مثلاً ان الشاعر تعتريه الحالة الشعرية يصبح ذهنه مشحوناً بالموسيقى، وهذه الموسيقى تجعل الالفاظ تنبعث في عقله الباطن وترفع الى سطحه عشرات الكلمات المطموسة المعالم مما رقد في الذهن الجماعي للامة وبعثته موسيقى الحالة الشعرية.. وتقول ايضاً.. والوزن يستشير في الذهن تاريخاً عميقاً للفغة فتنبثق في ذهن الشاعر الفاظ لم تكن تخطر له على بال وهذه الحرارة وهذا التدفق تفرضهما عليه التجربة الشعرية او عملية تخيلها. يقول رتشاردز اولئك الفنانين الذين يخططون لتوصيل اعمالهم بانهم فنانون من الطبقة الثانية واذا كانت نازك قد وجدت ضعضعة في الموسيقى نتيجة تقطيع اوصال الوتد المجموع لعدم ارتكازه على حرف علة، فماذا تقول في بيت المتنبي: افاض الناس اعراض لذا الزمن يخلو من الهم اخلاهم من الفطن ففي شطر كل بيت تفعيلتان مكررتان في كل تفعيلة وتد مجموع (مستفعلن، فاعلن) ولم يوقف المتنبي وتده على حرف علة، وانما على (النون) في مستفعلن، وعلى (اللام) في (مستفعلن) وعلى (الفاء) في فاعلن، اذن ذلك التخطيط او القانون يمثل ذوقها الشخصي، او احساس اذنها الشعرية. 2- الزحاف:
تقول نازك الملائكة عن زحاف تفعيلة الرجز انه مرض شاع شيوعاً فادحاً في الشعر الجر، واستهان به الشعراء، او لم يحسوا به فتركوه يعيش في شعرهم ويفسد انغامه ووجدت الشاعر المعاصر ينزلق اليه بحيث يكتب اسطراً، تفعيلاتها كلها مصابة بالزحاف، الامر الذي يؤدي بالشطر لان يكون ركيك الايقاع، ضعيف البناء، منفراً للسمع ولعلني لم اجد شطر صلاح عبد الصبور الذي اختارته نازك، نافراً وركيك الموسيقى لانني ادرك ان احساس الشاعر بالكلمات او الحروف احساساً خاصاً بحيث تاتي في شعره متناسقة متجاوبة تجري منتظمة وكانها قانون خفي يحكم، مع انه لا يدري بها ولا يتكلفها كما تعبر نازك نفسها، قم ما دام هذا الزحاف مباحاً من قبل العروضيين ومستعملاً من قبل الشعراء فلماذا نقف ضده؟ أتمنى أن تكون هذه الجولة مع نازك ق> أفادتم والسلام عليكم ورحمة الله . |
||
نترقب المزيد
بالتوفيق