الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، والنّصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدّين النّصيحة.. لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" رواه مسلم.
والبراءة من أعداء الله ورسوله وشرعه وهم المشركون بالله في عبادته مهما كان انتماؤهم وشعارهم، قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
ومناط الولاء: الجمع بين صحّة الاعتقاد (بوحدانيّة الله في عبادته -خاصة- وفي ربوبيّته -عامّة-)، وبين صلاح العمل (باتّباع السّنّة)، وفي هذا جماع الخير كلّه. وقد قرن الله تعالى الإيمان والعمل الصالح {الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93]، في أكثر من خمسين آية، وفي معنى ذلك ما يصعب حصره.
ومناط البراء: الشرك في الاعتقاد (بدعاء غير الله تقرباً بذلك إليه واستشفاعاً به إليه)، والابتداع في العمل (بعبادة الله على نحو لم يأذن به الله)، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس: 18].
ويدخل في صميم الولاء الشرعي محبّة السّنّة الصحيحة والدعوة إليها ومحبّة أهلها الذين يردّون كل مُتنازعٍ فيه من الدين إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمّة. ويدخل في صميم البراء الشرعي بغض الابتداع في الدّين والحرص على تغيير هذا المنكر والتّحذير منه ومن الدّاعين إليه ومن المصرّين عليه ولو انتموا إلى الإسلام وأهله وإلى الدعوة وأهلها.
ولا ينافي عقيدة الولاء والبراء معاملة الكفار فمن دونهم من المبتدعة بالبيع والإجارة والمزارعة والزّيارة والهدّية وحُسْن الخلق فضلاً عن دعوتهم والدّعاء لهم بالهداية كما فعل رسلّ الله بأمره، وهذه سنّة رسول الله في معاملتهم؛ فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم كلّ ذلك، ومنه استعارة أسلحة المشرك، واستئجار آخر دليلاً له في الهجرة (أخطر حدث فصل بين أهل الإسلام وأهل الأوثان)، ومنه اتخاذ المشرك عيناً له، ومزارعة يهود خيبر بعد كلّ ما ظهر من عداوتهم ونقضهم للعهد، بل ودخوله في جوار المطعم بن عدي وهو مشرك.
ولا ينافي عقيدة الولاء والبراء الانتفاع بالعلوم الدنيوية للكفّار ومن دونهم من العصاة وصناعاتهم ومهنهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس الحلّة من صُنْع نصارى الشام والبردة من صُنْع مشركي اليمن. وقال الله تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 7]؛ فلا يجوز الاستفادة من فكرهم ودينهم في فهم شرع الله ووحيه، وقد وقع بعض المسلمين مِنْ قَبْل في ضلال مبين بمحاولتهم الاستفادة من فلسفة اليونان في بيان الإيمان بالله ومن تصوّف الهند ْوفارس في التعبّد، ومِنْ بَعْد بربطهم الوحي بالفكر واليقين بالظّنّ. وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه.