إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله و أصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما أما بعد أيها الناس فإننا في هذه الأيام نستقبل عاماً جديداً إسلامياً هجرياً ابتداء عهد سنواته من أجل مناسبة في الإسلام ألا وهي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم التي ابتدأ بها تكوين أول دولة إسلامية في أول بلد إسلامي مستقل يحكمه المسلمون ولم يكن التاريخ السنوي معمولاً به في أول الإسلام حتى كانت خلافة عمر رضي الله عنه واتسعت رقعة الإسلام واحتاج الناس إلى التاريخ في أعطياتهم وغيرها وفي السنة الثالثة أو الرابعة من خلافة عمر رضي الله عنه كتب إليه أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم فاستشارهم فيقال إن بعضهم قال أرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكها كلما هلك ملك أرخوا بولاية من بعده ولكن جمهور الصحابة كرهوا ذلك وقال آخرون أرخوا بتأريخ الروم ولكن الجمهور أيضاً كرهوا ذلك فقال بعضهم أرخوا من مولد النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون أرخوا من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم وقال آخرون من هجرته فقال عمر رضي الله عنه الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرخوا بها فأرخوا من الهجرة واتفقوا على ذلك ثم تشاورا من أي شهر يكون ابتداء السنة فقال بعضهم يكون ابتداء السنة من رمضان لأنه الشهر الذي أنزل الله فيه القرآن وقال بعضهم يكون ابتداء السنة من ربيع الأول لأنه الشهر الذي قدم فيه النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً واختار عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أن يكون ابتداء السنة من المحرم لأنه شهر حرام يلي شهر ذي الحجة الذي يؤدي المسلمون فيه حجهم الذي به تمام أركان دينهم وكانت فيه بيعة الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم والعزيمة على الهجرة فكان ابتداء السنة الإسلامية الهجرية من الشهر المحرم الحرام وفي هذه الأيام ودع المسلمون أحد القرون الهجرية ودعوه على ما فيه من خير وشر وسرور وأحزان وخوف وأمان وسعة في العيش وضيق واستقبلوا قرناً جديداً لا يعلم أحداً مستقبل المسلمين فيه سوى الله عز وجل لكن الأحوال مخيفة تنذر بنتائج مدمرة فإن سنة الله في خلقه واحدة (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) (محمد:10) إن المسلمين اليوم في حال يرثى لها إضاعة للصلوات واتباع للشهوات ومنع للزكوات وانتهاك للحرمات وتفريط في الواجبات وقطع للأقارب وتهاجر فيما بينهم و تساب وتشاحن لا على مستوى الحكومات فقط ولكن حتى على مستوى الأفراد فبأي حبر يستمسكون به ولأي هدف يسيرون كثير من المسلمين اليوم أضاع أوقاته في اللهو والإضاعة والتسكع في البلاد بدون فائدة كأنهم حيارى لا يريدون إلا أن يقتلوا الوقت بضياعه هنا وهناك كثير من الناس اليوم نسوا آخرتهم بما انشغلوا به من أمور ديناهم فآثروا ما أثر ما خلق لهم على ما خلقوا له أثروا الحياة الدنيا على الآخرة كأنهم لا يسمعون في كل جمعة غالباً لا يسمعون قول الله عز وجل (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى:17) كأنهم لا يقرءون قول الله عز وجل (فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعـات:39) تجد كثيراً من الناس مشغولين بالمضاربات التجارية من بيع وشراء وتأجير وبناء جعلوا هذا أكبر همهم حتى إذا حضروا إلى العبادة والصلاة فإن غالبهم حاضر الجسم غائب القلب كثير من المسلمين اليوم من انتهكوا أم الخبائث مفتاح كل شر من شربوا الخمر إما علانية وإما خفاء وإننا لنسمع أن الخمر يباع في بلاد بعض المسلمين كما يباع الشراب الحلال الطيب يباع علناً في الأسواق يباع علناً في كل مكان ويشرب في الأسواق من غير نكير له يستحلونه كما يستحلون أطيب الشراب فبالله عليكم أهذه حال المسلمين أهذه حال يرجى من ورائها أن ينصر المسلمون أو يجتمعوا على الحق لا والله لا يمكن ذلك حتى يكونوا أمة صالحة متفقة على تحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن من المسلمين اليوم من المسلمين اليوم من قام بمحادة الله ورسوله يدعون إلى ضد ما دعى الله ورسوله إليه يدعوا الله ورسوله إلى الأخلاق والفاضلة والبعد عن الفحشاء والمنكر وهم يدعون إلى أسباب الفحش والفجور و الفساد ومما يدعون إليه اختلاط النساء بالرجال وإلغاء الفوارق بين النساء والرجال يدعون إلى ذلك إما بصريح القول وإما بالتخطيط الماكر البعيد والعمل من وراء الستار وهذا عين المحادة لشريعة الله وهذا هو فتح باب الشر والفساد فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعزل النساء عن الرجال حتى في أماكن العبادة ويقول خير صفوف النساء أخرها وشرها أولها لأن أخرها أبعد من الرجال فكان خيرها وأولها أقرب إلى الرجال فكان شرها ولقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المشتبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال لماذا لأجل أن يكون كل جنس من هذا وهذا متميزا عن الآخر مفترقاً عنه حتى في اللباس وغيره وهؤلاء الذين يدعون إلى اختلاط النساء بالرجال ويدعون إلى مشاركتهنّ لهن في العمل في الأماكن وفي الأسواق وغيرها هؤلاء محادون لله ورسوله وهم حرب على الإسلام وإن كانوا من أبناء الإسلام فنسأل الله أن يقينا شرهم وشر أعداء المسلمين المتظاهرين بالشر ولو تأملت حال المسلمين اليوم ولا يمكننا أن نحصر الضلالات التي وقع فيها كثير من المسلمين لا يمكننا أن نحصرها في هذا المقام لأنها تستدعي كلاماً طويلاً ولكن لو تأملات حالهم اليوم حال المسلمين لرأيت أمراً مروعاً محزناًُ لكل مؤمن غيور على دينه لكل مؤمن خائفاً من عقوبة ربه ولهذا ظهرت بوادر العقوبات ظهرت بوادر العقوبات فكثرت الحوادث الكونية من الزلازل والفيضانات والدهور والغلاء وكثرت الفتن الدينة والدموية وحاط ببعض الناس ما ذكره الله تعالى بقوله (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) (الأنعام:65) فمن العذاب من فوق هذه الفيضانات التي ينهمر بها ماء السماء ومن العذاب من تحت هذه الزلازل التي تدمر القرى والمدن ومن لبس الشيع هذه الفتن والحروب التي تجري بين الناس اليوم أيها المسلمون إننا في طالع هذا القرن على الرغم مما عليه حال المسلمين لنرى في المسلمين طليعة خير وإقبال على الإسلام لنا في المسلمين طليعة خير و إقبال على الإسلام وتجديدً لما اندثر منه وتقدم للمسلمين إلي ما كان عليه نبيهم صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون نرى هذا الطليعة تقبل على العلم وتقبل على العبادة نراءهم شباباً يرجى أن يجدد الله على أيديهم ما أندثر من دينهم إننا نجد هؤلاء الشباب شباباً ليسوا في العربية السعودية فحسب ولكن فيها وفي سائر بلاد المسلمين كما نسمع شباب يدينون بالنصيحة لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم شباب يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن من يجادل وهذا مفتاح قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك ) رواه البخاري وإننا لنسأل الله تعالى أن يأخذ بأيديهم إلى ما فيه خير الأمة وصلاح الدين وأن يعم شعوب المسلمين بالصلاح والفلاح والنصر العزيز والفتح المبين إن هذه الأمة وهذه الطليعة التي أشرنا إليها هي في بلادنا وغير بلادنا وإنها في بلادنا ولله الحمد لا تجد معارضة من ولاة الأمور بل إن ولاة الأمور وفقهم الله يساعدون بقدر ما يستطيعون على ما فيه نصر الإسلام وصلاح المسلمين كما نسمعه في الإذاعات مما ينشر فيها من المواعظ الحسنة والأحاديث الطيبة لذلك نرى أنه ينبغي لهؤلاء الطليعة الذين يؤمل فيهم الخير أن يصبروا ويصابروا على تلقي العلم وعلى العمل الذي يكون فائدة لهم ولشعوبهم ما بين أئمة وعامة أننا نرى أيها المؤمنون إننا وإن كنا على ما كنا عليه من هذا الضعف وهذا التأخر وهذه الفتن العظيمة فيجب علينا أن لا نيئس إنه لا ييئس من روح الله إلا القوم الكافرون يجب علينا أن نعقد الآمال والعزم على الصلاح والإصلاح فإن الله تعالى لا يضيع أجر المصلحين إن علينا أن لا نيئس وعلينا أن نترقب اليوم الذي يصلح فيه المسلمون في جميع أقطار الأرض حتى تكون الأمة الإسلامية أمة ظاهرة قاهرة فإن وعد الله لا يخلف (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (التوبة:33) والله لو قام المسلمون بهذا الدين لظهروا على من سواهم من سائر الأمم مهما كانت قوة الأمم سواهم لأن هذا الدين لا بد أن يظهر ولكن لما تأخر المسلمون عن دينهم وفرطوا في كثير من واجباتهم أذيلت عليهم الدولة وصارت الزلة عليهم إلا من شاء الله فاتقوا الله عباد الله واستقبلوا عامكم الجديد بالعقيدة والعزم والحكمة واستعينوا بذلك على أن تعبدوا الله على بصيرة اسأل الله تعالى أن يعمنا جميعاً بلطفه وأن يتداركنا بعفوه وأن يعفوا عنا ما جنينا على أنفسنا ويصلح منا ما فسد منا إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر وأشكره وقد تأذن بالزيادة لمن شكر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولو كره ذلك من أشرك به وكفر وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه خير صحب و معشر وعلى التابعين لهم بإحسان ما بدأ الفجر وأنور وسلم تسليماأما بعد
خطبة جمعة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله