التصنيفات
الخواطر

أي معلّم للعقل أنت! / رسالة إلى شيخي

لم أقرأ كتاب رسالة المسترشدين كاملاً..إلاّ أنّي أحمل للكتاب حباً تعجز كلماتي عن وصفه…ذلك أنّي أحمل له ذكرى جميلة …يحملها صدري تحت شغاف القلب…في مهجة الفؤاد!!
وليست تلك الذكرى كغيرها من الذكريات…تأتي متى تشاء أو متى أشاء أنا..ثمّ ترحل …أو تنام في عطفة الأيّام…أو منحنيات الزمن المنسيّة!!!
ذلك أنّ الذكرى- تلك-صارت روحاً أحملها…أعيش بها….وعقلاً أفكّر به …وقلباً ينبض..معلناً عظمة الحياة …وسمو الفكرة …وجلال العلم!!!
رحم الله أبا عبدالله…وأبا زاهد..(1).أي معروف أسدياه إلى هذا الفتى؟!!
من منّا لا يتذكّر تفاصيل اللحظة العظيمة في حياته؟
فكيف بأسبابها؟!!!
وكان كتاب الإمام سبب تلك اللحظة العظيمة…التي كانت بداية لحياة جديدة..
للفتى المحظوظ!!
وهل لي أن أذكر-ياسيّدي- أنّ اللحظة تلك كانت هزّة عنيفة…استجابت لها نفس الفتى فما سكنت حتّى اليوم!!!
ويالروعة تلك الهزّة…,أي دروب فتحتها….وأي سبل أنارتها…فسلكها الفتى الثّائر …بروح وثّابة.. وقلب لا يعرف السّكون….وعقل يتحسّس كل ما تراه عيونه…
لا تكفيه سطوح الأشياء…وماالذي يريده من سطوحها…إنّها لا ترى الأرض..وتنظر
إلى السّماء ببلاهة!!!
ماالّذي يريده من السطوح؟…وهي تحسب السماء فراغاً…ولا تعلم علاقتها بالأرض!!
مازلت أذكر بداية الكلام…وتفاصيل الرّحلة العجيبة..التي حواها ركن في مسجد آن أربر….مساءيوم في خريف1998.
أي عظيم ..حواه ذلك الركن؟..أي حديث ردّدته جدران المسجد..تلك الليلة؟
سألتُ:أتشعر الجدران بما يضطرم داخلي من سماع هذا الكلم…ما أخالها إلاّ مهتزّة كحال الفتى!!
أي رحلة –سيّدي-سلكت فيها-بالفتى الضّعيف-جبالاً وعرة …وأوديةً عميقة …كانت قدماه تختلج بجسده المنهك…وأنت ثابت القرار…واثق الخطوة…تشير إلى أماكن عدّة…
وأزمنة متفرّقة…وتمسك بيد الفتى أن يسقط!!!
أدركت مشقّة المسير عليه…فرفقت به ….وواصلت الرفق إلى يومنا هذا.
آه….قدّست من لحظة أنت….وقدّست ليلتك تلك….التي حوّل(ليلك) نجم يسطع..إلى نهارٍ يضيء!!!…أي خير فعل ذلك الفتى الحائر …حتّى يكرمه الله كرمه هذا؟(2)
عاد الفتى بعدها مضطرب الأحاسيس….اضطراباً أفضى إلى يقين!!
ماعاد مثل ماكان قبل تلك الليلة!!…أي أركان في نفسه أضأتها؟
أي زوايا في عقله….نوّرتَها….أي عيون علّمتَها النّفاذ إلى الأشياء؟
ولا أنسى الليلة التي تلت…ذلك اللقاء …وقد ركبت معك…في سيّارتك ….وأنت تحدّث الشّاب عن أبي فهر….وأباطيل وأسمار…وتقول له:
تذكّر الطّريق…حتّى تعرف المجيء إلى البيت مستقبلاً؟
……………………………………..
تذكّرت الطّريق-سيّدي-فأوصلني إلى معاقل الفكر….وجنّة العلم!!!
………………………………………….. ………..
هذا ساوث ماين ..يارياض…هذا استوديوم….هذا سسيو تشرتش ….هذا فيلد كرست…تذكّر..يارياض اسم البيوت….وودلاند ميدوس!!!
أي بقعة تلك…حوت علماً…نهل رياض من أنهاره…قرابة الأربع سنوات!!
وأي سنوات تلك ….في عمره….ساطعة هي…جميلة هي ….مثمرةهي!!
أراها كلّما أرسلت نظري إلى أعوامي الثمان والعشرين!!
فأي شموس زرعت-سيّدي-في عمر الفتى ….أي بنيان بنيت…أي أثر أبقيت؟
ويحسب النّاس أنّك الشّيخ فقط!!!

آه…لو يعلمون….أنّك كنت الأستاذ والمربّي…وكنت الوالد..والصّديق…وكنت شيئاً…تعجز كلماتي عن بيانه!!!حسبها أنّها تعجز!!!
وكان رياض…لا يرى الكتب إلاّ وعنده أسماء قد أعدّها….وعناوين قد حفظها…لا ترى عيناه سوى ذلك!!!
ولا تمتد يده إلاّ إلى كل كتاب…ختم اسم مؤلّفه…بالأشعري والماتريدي….والشّافعي!!!
أو احتوت عناوينه على الردود…والمعارك…والحروب…. .وكل شعارات الانتصار….وإعلان الهزائم بالخصوم!!!
وبكل رفق….أخذت بيدي رياض…لتشعره أنّ هناك أشياء أخرى….وأنّ هناك عالم أوسع….وأرحب!!
(يارياض إذا أردت أن ترى البيت….فانظر إليه من الخارج…أنت في الدّاخل لا تستطيع رؤيته…اخرج…وانظر)
وهناك …خرجت…فرأيت أزهاراً…تنشد انتباهي…وتخاطب عينيّ!!
رأيت …حدائق …وبساتين…رأيت عالماً واسعاً…فاجأني…وأنا الذي أحسب العالم…يبدأ عند الباب…وينتهي عند النافذة!!!
وما أحسب رياضاً…تخلّى عن بيته….لكنّه عرف أنّ العالم أوسع من أن يختزله بيت صغير…وما أكثر بيوتنا تلك …يا شيخنا…ما أكثرها!!!
فأي صلة هذه التي أقمتها للفتى مع الحروف…والأسفار!!
أشقتني هذه الصّلة …يا سيّدي….أشقتني روعتها…وعظمتها….وفاعليّته ا…ورضي الفتى بذلك….لأنّه يعلم أنّ ما سوى ذلك….صمت يفضي إلى موت!!!
وهو يكره الموت…..لأنّه ها هنا انتحار…والله أراد لنا الحياة…
فمن يختار غير ذلك؟ثمّ يسمّي نفسه حيّاً!!!…أي أغلوطة هذه التي يعيشها الكثير؟
وبفضلك غزا الكتاب كل ركن من أركان حياته….حتّى نومه لم يسلم من ذلك!!!
وكنت ألقاك…فاتمنّى أمنية الإمام الشّافعي…عند سماعه للبيان الجميل…فيتمنّى لو أنّ جوارحه كلها تسمع انتشاءً بالكلمة.
وقد كنت كالغيث المبارك…يحيي الأرض الميتة….ويبعث الأفكار من مثاويها…فإذا بها حيّة تنفذ إلى العقول والقلوب…ولا تبرحها بعد ذلك!!
وأشدّ ماعلي سفرك…لأنّي أحرم من نور ينير لي الدّروب
(وكنت أرى هجراً فراقك ساعة)
وأجمل لحظاتي تلك التي أهنأ بلقياك فيها…أو أسمع فيها صوتك العذب تهدي الفوائد كرماً باذخاً….وتنساب كلماتك كالنّسيم!!
ويالهول تلك الليلة…التي أخبرتني فيها بسفرك….وكنت أحسبه قبل نوعاً من التعليل!!! لكن المتنبّي كان عازماً هذه المرّة!!!
ولم يهنأ الفتى بنوم بعدها…وهو الذي لا يحفل بالنّوم …لكن الأسباب غير الأسباب!!
فكان أرقه ذلك…عذاباً متواصلاً…يشقى بعذابه…كل لحظة يأوي فيها إلى الفراش!!
ومايزال حتى اليوم….وأي شيء –سيّدي-يعوّض الفتى….أتحسبها الرّسائل…على عظمتها….أم المكالمات الهاتفيّة المقتضبة على روعتها؟
هيهات…يا سيّدي الشّيخ!!
سالت دموع رياض …ومع دموعه…تنساب روحه شيئاً فشيئاً!!
أي فراق ذلك ….متّع الله تلميذك برؤيتك…وأبقاك الله نجماً تهدي الحائرين…في ظلمات الدّجى…ونفع بك في الدّارين.
كان رياض …يغدو إليك …كالطّير…تغدو خماصاً…وتعود بطاناً!!
فلمن تركت هذا الطّائر…يا سيّدي؟
لمن تركت هذا الفتى…..
….لمن……….؟

كتبهارياض المسيبلي




شكراااا اختي




طبت و طاب لنا نقلك شهد

مشكورة و بارك الله فيك

لا تحرمينا جديدك المميز




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.