الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فاعلم أنّ التجارة أفضل أنواع المكاسب، وقد عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم في التجارة قبل النبوة، واحترفها عدد كبير من الصحابة رضي الله عنهم من بينهم أكثر العشرة المبشرين بالجنة، وقد أجمع العلماء على أنّ الأصل في التجارة وسائر أنواع المكاسب الحلّ، لكن ليست كلّ صور المكاسب التجارية الجواز لذلك كان لزاما بالتاجر أن يعتني العناية الكافية بمعرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بفقه المعاملات المالية، وتعلم أحكامها شرط ضروري وأكيد لمزاولة مهنته التجارية، لئلا يقع التاجر في المحرمات من حيث لا يدري، وليعلم من جهة أخرى مدى خطورة مقارفة المنهيات والمحرمات ليجتنبها وليتقي الله فيها.
هذا وأنصح التاجر أن لا يجعل تجارته مطية للركون للدنيا فيطمع لينال الغرض العاجل، فلا يؤدي حق الله فيما رزقه ولا يصل به رحمه كما في حديث أبي كبشة الأنماري: "إنّما الدنيا لأربعة نفر…..وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علماً، يخبط في ماله بغير علم، ولا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم أنّ فيه حقا فهذا بأخبث المنازل".
كما أنّ على التاجر الحرص على أداء الواجبات والمهمات، فلا يترك تجارته تجرّه للتهاون عن القيام بواجبه الشرعي سواء اتجاه ربه أو أهله وغيرهم أو نفسه، أو الغفلة عن تطبيق الأوامر التي فرضها الله عليه.
وعليه أن يتحلّى بالصدق والأمانة في معاملاته فهو خلق محمود، فيجتنب الكذب وإخفاء العيوب في تجارته، فإنّ الصدق سبب البركة، والكذب والكتمان علّة الكساد والمحق، قال صلى الله عليه وسلم : (البيِّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)(١- أخرجه البخاري في البيوع(2079)، ومسلم في البيوع(3937)، وأبو داود في الإجارة(3461)، والترمذي(1291)، والنسائي(4474)، وأحمد(15708)، والدرامي(2602)، والبيهقي(10742)، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه)، والذي يعلم عيبا ويخفيه ولم ينبه عليه كان راضيا بضياع مال أخيه المسلم وهو حرام، ومن ذلك أن يروج السلع بالإعلانات الكاذبة والدعايات المبتذلة، فيشيع ما فيه خداع وغش، ويهول ما فيه تزوير، ويوهم ما فيه تدليس، وقد يكون بالأيمان الكاذبة.
كما أنّ على التاجر أن ينشر الفضيلة بتجارته فلا يساعد بها على ما يلوث الاعتقاد السليم أو يقدح في المنهج النبوي المستقيم أو ما يفسد الخلق القويم، فلا يبيع الرذيلة وهي كلّ محرّم لذات المبيع، أو ما نهى الشرع عنه لأنّه إعانة على حرام، أو لكونه ظلما أو أكلا للمال بالباطل كالرّبا وأنواعه، وما يحدث نزاعا بين الإخوة الإيمانية كبيوع الجهالة والغرر…
وعلى التاجر أن يمتنع عن ممارسة أعمال تجارية في الأوقات التي يحرم فيها البيع، وأن يفي الإيفاء الحقيقي للسلعة كمّاً وكيفاً دون بخس أو انتقاص، وأن يتجنب رفع السعر على مشتر غافل، أو على راكن ثقة بالبائع، أو مسترسل.
فالحاصل أن يسعى التاجر إلى تحقيق الفضيلة ونشر الخير وتوسيع دائرته مع تقوى الله التي هي سبب رفع البلاء وكسب الرزق الحلال قال تعالى: ﴿وَمَن يَّتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ﴾(الطلاق ٢)، وقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِّرِ وَالتَقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ﴾(لمائدة ٢).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
أبو عبد المعزّ محمد علي فركوس – حفظه الله –
الثلاثاء 27 محرم 1443ﻫ
الموافق لـ: 08 مارس 2022م
١- أخرجه الدارامي (٢/٦)، والنسائي (٤/١٩٦)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٢/٥٤) من حديث حفصة -رضي الله عنها-
جزاكم الله خيرا على النقل الطيب
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه