السؤال: لقد رتب العلماء الحديث الصحيح على مراتب متفاوتة وقدموا مرتبة:"ما كان على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه" على مرتبة:"ما كان على شرط البخاري ولم يخرجه" علما أنّ المراد بالشرطين: المعاصرة وثبوت السماع، وهذان الشرطان يتوفران في كلا المرتبتين فما وجه تعليل التقديم إذا كانا في درجة واحدة؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد: فإنّ سؤالكم يحتاج إلى تمهيد قصير وهو أنّ البخاري ومسلما لم يعيّنا شرطا من الشروط كفضل زائد عن الشروط المتفق عليها وهي[اتصال السند-عدالة الرواة-ضبط الرواة-عدم الشذوذ-عدم العلة] كما لم يفصحا عن شيء من ذلك، وإنّما أهل الاجتهاد في الحديث عن طريق التتبع والاستقراء لأسلوب البخاري ومسلم في مروياتهما المبنية على درجة الأوصاف التي تدور على العدالة والضبط ونحوهما ممّا يقتضي التصحيح، الأمر الذي غلب على ظنهم أنّه شرطهما أو شرط أحدهما، ولذلك اختلفوا في المراد بشرط الشيخين أو أحدهما، وأجمل مقصود ذكر لهما لشرطهما هو أن يكون رجال إسناد الحديث والكيفية التي التزم بها الشيخان في الرواية عنهم واردة في صحيح البخاري ومسلم أو في أحد الصحيحين. ومن هذا المنطلق التمهيدي يفهم أنّ التدرج في الترتيب السابق منسجم ومعقول غير أنّ اللافت للنظر أنّ تقديم مراتب الصحيح بهذه الكيفية إنّما هو بحسب الأغلب والأكثر لكونه علامة الأقوى أي: هم من قبيل ترجيح الجملة على الجملة، لا ترجيح كلّ واحد من أفراده على كلّ واحد من أفراد الآخر، وعليه فلا يلزم عدم تقديم المتأخر في الرتبة على المتقدم، ولذلك يقدم ما انفرد به مسلم عمّا انفرد به البخاري مع اتحاد مخرجه إذا وجد موجب الترجيح، كما لو جاء من طريق يبلغ بها التواتر أو الشهرة القوية أو يوافقه على تخريجه مشترطوا الصحة، فبهذه القرائن يتقوى ويصبح أغلب على الظن ويرتقي في المرتبة، وكذلك لو انضمت هذه القرائن من تواتُرٍ وشُهرةٍ وموافقة إلى ما انفرد به البخاري فيكون أقوى من المتفق عليه، وأولى من الأقسام الأخرى المفضولة. والله أعلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلم تسليما.
نترقب المزيد
بالتوفيق