مفسدات الصوم وكفاراتها :
قالى تعلى: (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) [البقرة : 187]
ذكر الله في هذه الآية الكريمة أصول مُفَطِّرات الصوم ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في السنّة تمام ذلك
والمفطرات سبعة أنواع:
أولا الجماع. وهو إيلاج الذكر في الفرج، وهو أعظمها وأكبرها إثماً، فمتى جامع الصائم بطل صومه فرضاً كان أو نفلاً.
ثم إن كان في نهار رمضان والصوم واجب عليه لزمه مع القضاء الكفارة المغلظة، وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينهما إلا لعذر شرعي،كأيام العيدين والتشريق، أو لعذر حسي كالمرض والسفر لغير قصد الفطر، فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً لزمه استئناف الصيام من جديد ليحصل التتابع. فإن لم يستطع صيام شهرين متتابعين فإطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين نصف كيلو وعشرة غرامات من البر الجيد.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أن رجلا وقع بامرأته في رمضان. فاستفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: (هل تجد رقبة ؟) قال: لا. قال:(وهل تستطيع صيام شهرين ؟) قال: لا. قال: (فأطعم ستين مسكينا).
الثاني: إنزال المني باختياره بتقبيل أو لمس أو استمناء أو غير ذلك. لأن هذا من الشهوة التي لا يكون الصوم إلا باجتنابها، كما جاء في الحديث القدسي:( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) رواه البخاري.
فأما التقبيل واللمس بدون إنزال فلا يفطر، لما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه). وفي صحيح مسلم: أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أيقبل الصائم ؟. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سل هذه) يعني: أم سلمة، (فأخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك)، فقال: يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له).
لكن إن كان الصائم يخشى على نفسه من الإنزال بالتقبيل ونحوه، أو من التدرج بذلك إلى الجماع لعدم قوته على كبح شهوته، فإن التقبيل ونحوه يحرم حينئذ، سداً للذريعة، وصوناً لصيامه عن الفساد. ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم الصائم عن المبالغة في الاستنشاق خوفاً من تسرب الماء إلى جوفه فيفسد صومه. وأما الإنزال بالاحتلام أو بالتفكير المجرد عن العمل فلا يفطر، لأن الاحتلام بغير اختيار الصائم، وأما التفكير فمعفو عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) متفق عليه.
وكفارة ذلك مثل كفارة الجماع وهي: عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً.
الثالث: الأكل والشرب، وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف من طريق الفم أو الأنف، أياً كان نوع المأكول أو المشروب، لقوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }.
والسعوط في الأنف كالأكل والشرب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث لقيط ابن صبرة: (وبالغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائماً) رواه الخمسة وصححه الترمذي.
فأما شم الروائح فلا يفطر، لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف.
الرابع: ما كان بمعنى الأكل والشرب، وهو شيئان:
أحدهما: حقن الدم في الصائم، مثل أن يصاب بنزيف فيحقن به دم فيفطر بذلك، لأن الدم هو غاية الغذاء بالطعام والشراب، وقد حصل ذلك بحقن الدم فيه.
الشئ الثاني: الإبر المغذية التي يكتفي بها عن الأكل والشرب، فإذا تناولها أفطر، لأنها وإن لم تكن أكلاً وشرباً حقيقة فإنها بمعناهما، فثبت لها حكمهما. فأما الإبر غير المغذية فإنها غير مفطرة، سواء تناولها عن طريق العضلات أو عن طريق العروق، حتى ولو وجد حرارتها في حلقه فإنها لا تفطر، لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما، فلا يثبت لها حكمهما، ولا عبرة بوجود الطعم في الحلق في غير الأكل والشرب، ولذا قال فقهاؤنا: "لو لطخ باطن قدمه بحنظل، فوجد طعمه في حلقه لم يفطر".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة "حقيقة الصيام": "ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغ أو بدن، أو ماكان داخلاً من منفذ، أو واصلاً إلى جوف، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله" قال: "وإذا لم يكن دليل على تعليق الله ورسوله الحكم على هذا الوصف، كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعل هذا مفطرًا لهذا قولاً بلا علم" انتهى كلامه رحمه الله.
النوع الخامس: إخراج الدم بالحجامة، لقول النبي صلى الله عليهوسلم: (أفطر الحاجم والمحجوم) رواه أحمد وأبو داود من حديث شداد بن أوس، قال البخاري: "ليس في الباب أصح منه". وهذا مذهب الإمام أحمد وأكثر فقهاء الحديث.
وفي معنى إخراج الدم بالحجامة: إخراجه بالفصد ونحوه مما يؤثر على البدن كتأثير الحجامة.
وعلى هذا: فلا يجوز للصائم صوماً واجبا أن يتبرع بإخراج دمه، إلا أن يوجد مضطر له لا تندفع ضرورته إلا به، ولا ضرر على الصائم بسحب الدم منه، فيجوز للضرورة، ويفطر ذلك اليوم ويقضي.
وأما خروج الدم بالرعاف أو السعال، أو الباسور، أو قلع السن، أو شق الجرح، أو غرز الإبرة ونحوها، فلا يفطر، لأنه ليس بحجامة ولا بمعناها، إذ لا يؤثر في البدن كتأثير الحجامة.
السادس: التقيؤ عمداً، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب عن طريق الفم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض) رواه الخمسة إلا النسائي، وصححه الحاكم. ومعنى "ذرعه": غلبه.
ويفطر إذا تعمد القئ إما بالفعل، كعصر بطنه، أو غمز حلقه، أو بالشم مثل أن يشم شيئاً ليقئ به، أو بالنظر، كأن يتعمد النظر إلى شيء ليقئ به فيفطر بذلك كله. أما إذا حصل القئ بدون سبب منه فإنه لا يضر.
وإذا راجت معدته لم يلزمه منع القئ لأن ذلك يضره، ولكن يتركه فلا يحاول القئ ولا منعه.
السابع: خروج دم الحيض والنفاس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟). فمتى رأت دم الحيض أو النفاس فسد صومها، سواء في أول النهار أم في آخره، ولو قبل الغروب بلحظة، وإن أحست بانتقال الدم ولم يبرز إلا بعد الغروب فصومها صحيح.
ويحرم على الصائم تناول هذه المفطرات إن كان صومه واجباً، كصوم رمضان والكفارة والنذر، إلا أن يكون له عذر يبيح الفطر، لأن من تلبس بواجب لزمه إتمامه إلا لعذر صحيح. ثم إن كان في نهار رمضان وجب عليه الإمساك بقية اليوم والقضاء، وإلا لزمه القضاء دون الإمساك. أما إن كان صومه تطوعاً فإنه يجوز له الفطر ولو بدون عذر، لكن الأولى الإتمام
للرفع بمناسبة قدوم شهر رمضان 2022
اعاده الله علينا بالاجر والثواب