تحية طتحية طتحية طتحية ط
كنت متردداً في بداية مقالي هذا .. هل أكون مباشراً في الطرح ، وألقي فكرة المقال بلا مقدمة ، أو أن استجيب لانتفاضة القلب عندما أتحدث عن (الأدب) ، أو أكتب ؟ !
نعم ! يهتز القلب ، وتأخذ النفس من النشوة راحةً طارفة ؛ فبيني وبينه -الأدب – شجون وأطوار وساعات أنس خلت من ضواغط الحياة المزعجة .. فمهلاً بني قومي ؛ فمهلاً بني قومي !
ففي تلك الساعات تأرجح القلب في اللاشعور التي تجلل القلب الهدؤ، وتسيِّر معاني الجمال في فؤادي كمشية الحسناء من بيت جارتها (مر السحابة لا ريث و لا عجل ) …!
الأدب : كالنجوم ؛ كلمات الليل الناعسة التي تصل العاشقين، وتورق السرور، والأنس في عيون المنادمين..! كأنه زهور بجانب الغدير مصطفة حول معين استشعار الجمال المنشود ..! تتطاير منه أحزان العمر، والأتراح السالفة ، ويجتمع شتات القلب، وتصبح الحياة أروع من بيضة ناصعة في روضة خضراء غناء …!.
* أريد في البداية أن نورد وصف المقال الذي أجمله أستاذنا الكبير د. حسين بن علي بن محمد . قال: (ولعلنا نستطيع أن نجمل وصف المقالة فيما يلي :
1- قطعة نثرية محدودة الطول .
2- ينبغي أن تكون متسمة بالأصالة ، بمعنى التعبير عن الذات .
3- تقدم فكرة ، أو موضوعا ، أو قضية جديرة بالمناقشة .
4- يبرز فيها الانفعال الوجداني .
5- تحمل الإقناع ، والإمتاع .
6- عباراتها واضحة ، منتقاة .
7- فيها دقة الملاحظة ، و خفة الروح ) [1]
اختيار العنوان
* كيف تختار عنوان مقالاتك ؟
* أما اختيار العنوان ، وطريقة استجلابه ؛ فهو من العوامل التي لها التقدمة في سبيل نجاح المقال .
فعنوان المقال الأدبي تأخذه من تلك المواقف المؤثرة ،أو المناظرالتي وضعت فيك رغبة للتعبيرعن اعتلاجات نفسك ، وتداعياتها تجاه ما رأيت .
فمثلاً: كنتَ متكأً على كثيب من الرمل ،تحت صفاء السماء ، والنفس هادئة؛ فقد ابتعدت عن كدر الحياة الممل ، تحس بأنك سعيد ، ونفسك مطمئنة.. ثم رأيت سحابة تسير لوحدها في علياء السماء تظهر السكينة ، والهدؤ كما النفس التي بين جوانحك . .
بيضاء ممردة .. كقلبك الغض الذي بتر علائق الحزن ، وأصبحت سلافة الضيق، والضنك فيه خائرةً أمام الطبيعة الوارفة ؛ فأخذت نفَسَك تساؤلاتٌ شتى : ما وجه الشبه بيني ، وبين هذه السحابة ؟ وهل كان لقاؤنا صدفة من غير موعد مضروب، أو حكمة إلاهية أرادت اجتماعنا في مثل هذه الساعة ؟! يا ترى هل تحس هذه السحابة بمثل ما أحس به اللحظة… ؟!
وبعد الكم من الأسئلة المتلاحقة ؛ ستجد نفسك مجبراً على رقم مشاعرك ،و اعتلاجات نفسك بمداد أسود ، على ورق أبيض ، وتحت نور القمر ! لتظل ذكرى خالدة ، وتستعيد من خلالها ذكرياتك المؤنسة .
ونهايةً أقول: الفكرة الأدبية ، وعنوانها ؛ لا تتكلف ، ولا تصطنع ، ولكن هي هاجس الأديب في الخلوة، والجلوة ، وشغله وقت فراغه ، وقضيته حين يتأمل ، ويتفكر . . وزاده الطبيعة الخلابة والنظرة المتأملة . . وهكذا يخرج الأديب بالفكرة الأدبية، والعنوان الأدبي المتميز .
صياغة العنوان
بعد أن تحيط علماً بفكرة مقالك، وسر التأثير الذي دفعك لحكاية أحاديث النفس تجاه ما رأيت من طبيعة أخاذة ، وتطلعات مرضية ؛ تأتي الخطوة التي بعدها :
كيف تصيغ عنواناً لمقالك ؟
أقول :
* بعد أن فهمت فكرتك جيداً ضع أقرب العناوين التي تفرضها نفسك عليك ؛ لكي لا تتكلف العنوان
فتفسد على نفسك ، وتضيق على عقول المتأملين فيه؛ فإذا أردنا أن نعمل لهذا مثالاً؛ فلنقترح عنواناً لمنظر (السحابة) السابق ؛ فنقول مثلاً :
(أنا والسحابة، أو قلب كالسحابة ،أو في معزل عن أعين الرقباء، أو أيتها السحابة …) أو مايمليه ذوق الأديب ، ونظرته المتأملة، المهم : أن لا تتكلف العنوان ، وتكد خاطرك من أجله ويحكي في نفس الوقت فكرة المقال الأساسية ؛ لأنه سيكون بعد ذلك بدايةً لوضع أفكار مقالك ونقاطه ؛ فلا بد من العناية بفكرته ، وصياغته .
ما علاقة العنوان بفقرات المقال ؟ !
أقول :
* العلاقة وثيقة متأكدة ؛ فلن يشار إلى مقالك أنه متسلسل الأفكار ، وواضح في مقصده ، وفحواه وبنيته محكمة متماسكة ؛ إلا إذا ارتبطت فقرات المقال بعنوانه ، ووضعت الأفكار من خلال إعادة النظر ، والتأمل فيه .
وابتكار الأفكار مما يمليه – العنوان – على الأديب ؛ نختار من العناوين – السابقة – (قلب كالسحابة) .. اختار الكاتب- مثلاً- هذا العنوان ، وبدأ بعد ذلك يتدبر فيه ويتفكر ، ويدير خاطره فيه ؛ فيقول :
* يا ترى ما وجه الشبه بين خلوة قلبي ، وهدؤ نفسي في تلك الساعة ، وتلك السحابة الطارفة ؟ ! ثم إلى أين تسير تلك السحابة ، وكيف نهايتها ،وهل القلب سائر على خطاها : في مسيرتها ونهايتها ؟! وهل ممكن أن تكون الصدفة هي التي جمعت القلب بهذه السحابة، أو أن هذه حال المخلوقات التي تشابهت ظروفها لا بد لها أن تلتقي ؟!
ونهايةً :
* هل سينسى القلب بعد الفراق هذه السحابة ، ويا ترى هل من الممكن أن يكون لقاء آخر في المستقبل المنتظر … أو يكون هذا أول لقاء ، وآخر لقاء…؟!. وبعد هذا بإمكان الأديب من خلال هذه الأفكار أن ينطلق من ذلك العنوان إلى نهايته بلا مشقة ، ولا عنت .
بداية المقالة
إن من أهم ما يقال تحت هذه النقطة ؛ ما يلي :
* أن تكون البداية ممهدة للفكرة ، وما يريده الكاتب ؛ فلا يصح دخول الكاتب مباشرة إلى صلب الفكرة ؛ ومن المقدمات التي تورد تحت هذه الفقرة المهمة ؛ مقدمة
* (المنفلوطي) في مقالته (مناجاة القمر)[2]:
(أيها الكوكب المطل من علياء سمائه ، أأنت عروس حسناء تشرف من نافذة قصرها، وهذه النجوم المبعثرة حواليك قلائد جمان ؟ أم ملك عظيم جالس فوق عرشه ؟ وهذه النيرات حور وولدان ؟ أم فص من ماس يتلألأ ؟ وهذا الأفق المحيط بك خاتم من الأنوار ؟ أم مرآة صافية ؟ وهذه الهالة الدائرة بك إطار ؟ أم عين ثرة ثجاجة ؟ وهذه الأشعة جداول تتدفق ؟ أو تنور مسجور ؟ وهذه الكواكب شرر يتألق ؟!) لا حظ – أخي القارئ – أن مقدمته هذه ممهدة ، ولم يدخل في صلب الفكرة بعد ، والمتأمل في المقالة سيعرف ذلك جيداً .
– واعلم- أخي القارئ – أن مما يزيد المقدمة أهمية :
* أن المتكلمين عن المقدمات في المقالات الأدبية ، أو الخطب ، أو ما أُعِدَّ للإلقاء ، أو غيره ؛ يقولون :
* إن المقدمة هي أصعب ما يواجه المعبر ، أو الكاتب ، أو الملقي عندما يريد أن يؤدي رسالته .
* المقدمة الممهدة للفكرة هي التي تصنع لمسة الجمال ، والتأثير في المقال الأدبي ؛ ولن تصل إلى إجادتها ، أو غيرها من عناصر المقالة إلا بالدربة ، وكثرة المراس .[3]
.
الله يعطيك العافية
نترقب المزيد
بالتوفيق
لك ودي