ظنّ و أخواتها
تعريفها :
ظنّ و أخواتها أفعال تامة ناسخة، تدخل – في الغالب – على المبتدأ و الخبر بعد استيفاء فاعلها، فتنصبهما معًا و تغيّر اسمهما، بحيث يصبح اسم كلّ من المبتدأ والخبر مفعولا به (1) للناسخ.
فـ"ظنّ و أخواتها" أفعال كلّها، ليس فيها حروف، و تنقسم إلى قسمين: أفعال القلوب و أفعال التحويل.
1/ أفعال القلوب :
سميت بذلك لأنّ معانيها قائمة بالقلب، متصلة به، و هي المعاني التي نسميها نحن اليوم بالأمور النفسية، و يسميها القدماء بالأمور القلبية لاعتقادهم أنّ مركزها القلب(2) .
فأفعال القلوب لا بدّ لها من فاعل بخلاف الأفعال الناسخة الأخرى "كان" و أخواتها التي لا ترفع فاعلا.
و لأفعال القلوب التي تنصب مفعولين أصلهما مبتدأ و خبر معنيان، فمن هذه الأفعال ما يكون معناه العلم، أي الدلالة على اليقين و القطع، و منها ما يكون معناه الرّجحان، و يعني النحاة بالرّجحان ما ينشأ في النفس من تغلب أحد الدليلين المتعارضين في أمر ما، بحيث يصبح أقرب إلى اليقين، فالأمر الراجح يحتمل الشكّ و اليقين، لكنّه أقرب إلى اليقين منه إلى الشكّ.
و الأفعال الدالة على اليقين سبعة أفعال:
عَلِمَ ، مثل : "( علمْتُ الإحسانَ سبيلَ المحبّة )".
رَأَى ، مثل قول الشاعر:
رأيْتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ محاولةً، و أكثرَهم جنودَا
فاستعمال "رأى" في البيت الشعري يدلّ على اليقين، و قد تستعمل بمعنى ظنّ كما في قوله تعالى: "(( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا ))"، أي يظنّونه بعيدا.
وَجَدَ، مثل: "( وجدتُ المحبّةَ طريقًا إلى السّلام )".
دَرَى، مثل: "( دريتُ النجاحَ قريبًا من المجتهدِ )".
أَلْفَى، مثل: "( ألفيتُ الصّبرَ مفتاحَ الفرجِ )".
جَعَلَ، مثل جعل الطالبُ الاجتهادَ هدفًا له )".
تَعَلَّمْ، فعل أمر جامد بمعنى اِعْلَمْ، مثل قول الشاعر:
تعلّمْ شفاءَ النفسِ قهرَ عدوِّها فبالغِ بلطفٍ في التحيُّلِ و المكرِ
ملاحظة :
و من النحاة من أضاف الفعل "اعتقد" مثل: "( اعتقدتُ الرجلَ نزيهًا )".
أمّا أفعال القلوب الدالة على الرّجحان، فهي:
ظنّ، مثل: "( ظنَّ الأبُ ابنَهُ مجتهدًا )".
خَالَ، مثل: "( خالَ المسافرُ الحافلةَ أريحَ له )".
حَسِبَ، مثل قول الشاعر:
حسبتُ التُّقى و الجودَ خيرَ تجارةٍ رباحًا، إذا ما المـرءُ أصبحَ ثاقلا
زَعَمَ، مثل قول أبي طالب يخاطب الرسول صلى الله عليه و سلّم:
و دعوتني و زَعَمْتَ أنّكَ ناصحُ و لقدْ صدقْتَ، و كنتَ ثمَّ أمينَا
عَدَّ، مثل: "( عددْتُ الصديقَ أخًا وفيًّا )".
حَجَا، مثل: "( حَجَا السائحُ المئذنةَ برجَ مراقبةٍ )"، و لهذا الفعل معان أخرى غير الرّجحان يتغيّر بسببها حكمه.
جَعَلَ، مثل قولـه تعالى عن المنافقين: "(( و جعلوا الملائكةَ الذينَ هم عبادُ الرّحمن إناثَا ))".
هَبْ، مثل: "( هبْ أنّكَ مجرّدًا من السلاحِ، أفلا تعتمدُ على اللهَ )".
فأفعال القلوب بنوعيها اليقين و الرّجحان تدخل على مصدر مؤوّل من "أنَّ" مع معموليها، أو من "أنْ" و الفعل مع مرفوعه. و أنّها تنصب المبتدأ و الخبر سواء أكانت أفعالا أم أسماء تعمل عملها كالمصدر و المشتقات العاملة كاسم الفاعل، و اسم المفعول، و الصفة المشبّهة،…
2/ أفعال التحويل :
هي أفعال تامة ناسخة تدلّ على انتقال شيء من حالة إلى حالـة أخرى تخالفها، و تسمى أيضا أفعال التصيير، لأنّ كلّ فعل منها بمعنى "صيّر".
و هذه الأفعال لا تدخل على مصدر مؤوّل من "أنَّ" مع معموليها أو من "أنْ" والفعل مع مرفوعه، و أشهرها سبعة، و هي :
صَيَّرَ، مثل: "( صيّرَ الصائغُ الذهبَ سبيكةً )".
جَعَلَ، مثل قول الشاعر:
اجعلْ شعارَكَ رحمةً و مودّةً إنَّ القلوبَ مع المودّةِ تُكسبُ
اِِتَّخَذَ، مثل: "( اِتَّخذَ الكسولُ اللعبَ هوايةً )".
تَرَكَ، مثل: "( تركَ الرجلُ اللّصَ طريحًا )".
رَدَّ، مثل: "( ردَّ الأستاذُ الطلبةَ مجتهدينَ )"
وَهَبَ، مثل: "( وَهَبَتِ الآلاتُ السنابلَ حَبًّا، و الحبَّ طحينًا )".
ملاحظة :
و من النحاة من ألحق بهذه الأفعال الفعلين: غَادَرَ، و خَلَّفَ، مثل: "( غادرَ الجرادُ الأشجارَ عاريةً )"، و مثل: "( خلّفَتِ الأمطارُ الساحةَ بركةً )".
حكم هذه الأفعال :
لأفعال القلوب و التحويل ثلاثة أحكام:
1/ الإعمال، أي أن تعمل، و هذا هو الأصل، و هو حاصل في جميع الأفعال.
2/ الإلغاء، و هو إبطال العمل لفظا و محلا لضعف العامل، أي الإهمال، و ذلك لأسباب لغوية، كتوسط العامل "الفعل" معموليه، مثل: "( محمدٌ ظننتُهُ حاضرٌ )"، أو كتأخره عنهما، مثل: "( محمدٌ حاضرٌ ظننتُ )".
3/ التعليق، و هو إبطال العمل لفظا لا محلاّ لمجيء ما له الصدارة في الكلام بعده، مثل:
– لام الابتداء، مثل: "( ظننتُ لَمحمدٌ آتٍ )"، التي تقتضي ما بعدها يكون مبتدأ.
– أسماء الشرط، مثل: "( … مَنْ يكثرْ مزاحُـهُ تقِّلْ هيبتُهُ )".
– أسماء الاستفهام، مثل: "( مَنْ ذَا الذي ما ساءَ قطُّ ؟ )".
– كم الخبرية، مثل قول الشاعر:
كم منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى و حنينُهُ أبدًّا لأولِ منـزلِ
هذه الأسماء و غيرها من الأسماء الأخرى التي لم نذكرها، و التي لا تستعمل إلاّ مبتدأ، لا تعمل فيها هذه الأفعال المذكورة لأنّ لها الصدارة في جملتها.
نترقب المزيد
بالتوفيق