التصنيفات
القران الكريم

[جمع] عُقُودُ المْـَاسِ فيِ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَز {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي

تعليمية
تعليمية

[جمع] عُقُودُ المْـَاسِ فيِ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَز {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}

عُقُودُ المْـَاسِ
فيِ تَفْسِيرِ قَوْلِ اللهِ جَلَّ وَعَز
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِي النَّاسِ}


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين
الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: لما استعلن الفساد من شركيات وبدع ومعاصي وظلمات، وانتشرت مثل هذه الأعمال الفاسدة والمفسدة من الناس وبينهم ، كان ذلك من أسباب نزول البلاء وفساد الأبحر والأشجار والدواب والإنسان ، ونزول الأمراض والأسقام، وغضب ربّ الأنام على الناس.
وهذا سببه:{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}([1]).
وقد دلت نصوص الكتاب والسنة أن البلاء ما نزل إلاّ بذنب وما رفع إلاّ برجوع وتوبة وإنابة واستغفار. وها أنا ذا أنقل بعض نصوص الكتاب والسنة التي تبين وتؤكد ما أشرت إليه أنفاً.
قال-سبحانه وتعالى-:{فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (59)}([2]). وقال-جل وعز-:{واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) }([3]). وقال-جل وعز-:{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (165) }([4]). وقال –جل وعز-: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }([5]). وقال-سبحانه وتعالى:{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ (49)}([6]). وقال-جل وعز-: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ }([7]). وقال -جل وعز-: { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) }([8]). وقال-جل وعـز-:{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) }([9]). وقال-سبحانه وتعالى-:{ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34)}([10]). وقال-جل وعز-:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}([11]). وقال-جل وعز-: { وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59)}([12]). وقال-جل وعز-:{ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (21)}([13]). وقال-جل وعز-: {مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا}([14]). وقال-سبحانه وتعالى-:{ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14)}([15]).
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وعلى آله وسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ :
لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ، إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ، وَشِدَّةِ الْمَؤُونَةِ ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ ، إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا. وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللهِ ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ.([16])
وعَنْ إِسْمَاعِيلَ ، عَنْ قَيْسٍ ، قَالَ : قَالَ أَبُو بَكْرٍ : بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا : {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، قَالَ : عَنْ خَالِدٍ ، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ : إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ وَقَالَ عَمْرٌو : عَنْ هُشَيْمٍ ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ، ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا ، إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ.([17])
فمن هنا قررت جمع ما قاله أئمة التفسير في تفسير هذه الآية العظيمة ليتعظ المتعظون ويتذكر المتذكرون وينتصح المنتصحون، ولعلي أكون قد قربت شيئاً ينتفع به المسلمون.
قال ابن جرير أبو جعفر الطبري-رحمه الله-: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : ظَهَرَتِ الْمَعَاصِي فِي بَرِّ الأَرْضِ وَبَحْرِهَا بِكَسْبِ أَيْدِي النَّاسِ مَا نَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْهُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ : {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبرِّ وَالْبَحْرِ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ : عَنَى بِالْبَرِّ : الْفَلَوَاتِ ، وَبِالْبَحْرِ : الأَمْصَارَ وَالْقُرَى الَّتِي عَلَى الْمِيَاهِ وَالأَنْهَارِ….)
إلى أن قال-رحمه الله-: وَأَوْلَى الأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ ، أَخْبَرَ أَنَّ الْفَسَادَ قَدْ ظَهَرَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ، وَالْبَرِّ عِنْدَ الْعَرَبِ : الأَرْضِ الْقِفَارِ ، وَالْبَحْرُ بَحْرَانِ : بَحْرٌ مِلْحٌ ، وَبَحْرٌ عَذْبٌ ، فَهُمَا جَمِيعًا عِنْدَهُمْ بَحْرٌ ، وَلَمْ يُخَصِّصْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنْ ظُهُورِ ذَلِكَ فِي بَحْرٍ دُونَ بَحْرٍ ، فَذَلِكَ عَلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ بَحْرٍ ، عَذْبًا كَانَ أَوْ مِلْحًا . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، دَخَلَ الْقُرَى الَّتِي عَلَى الأَنْهَارِ وَالْبِحَارِ.
فَتَأْوِيلُ الْكَلاَمِ إِذَنْ ؛ إِذْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا وَصَفْتُ ، ظَهَرَتْ مَعَاصِي اللَّهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، مِنْ بَرٍّ وَبَحْرٍ {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أَيْ بِذُنُوبِ النَّاسِ ، وَانْتَشَرَ الظُّلْمُ فِيهِمَا.
وَقَوْلُهُ : {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : لِيُصِيبَهُمْ بِعُقُوبَةِ بَعْضِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا ، وَمَعْصِيَتِهِمُ الَّتِي عَصَوْا {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} يَقُولُ : كَيْ يُنِيبُوا إِلَى الْحَقِّ ، وَيَرْجِعُوا إِلَى التَّوْبَةِ ، وَيَتْرُكُوا مَعَاصِيَ اللَّهِ اهــ ([18])
وقال القرطبي-رحمه الله-: قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) اختلف العلماء في معنى الفساد والبر والبحر، فقال قتادة والسدي: الفساد الشرك، وهو أعظم الفساد. وقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد: فساد البر قتل ابن آدم أخاه، قابيل قتل هابيل. وفي البحر بالملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصبا. وقيل: الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة. ونحوه قال ابن عباس قال: هو نقصان البركة بأعمال العباد كي يتوبوا. قال النحاس: وهو أحسن ما قيل في الآية. وعنه أيضا: أن الفساد في البحر انقطاع صيده بذنوب بني آدم. وقال عطية: فإذا قل المطر قل الغوص عنده، وأخفق الصيادون، وعميت دواب البحر. وقال ابن عباس: إذا مطرت السماء تفتحت الأصداف في البحر، فما وقع فيها من السماء فهو لؤلؤ. وقيل: الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش. وقيل: الفساد المعاصي وقطع السبيل والظلم، أي صار هذا العمل مانعا من الزرع والعمارات والتجارات، والمعنى كله متقارب. والبر والبحر هما المعروفان المشهوران في اللغة وعند الناس، لا ما قاله بعض العباد: أن البر اللسان، والبحر القلب، لظهور ما على اللسان وخفاء ما في القلب. وقيل: البر: الفيافي، والبحر: القرى، قاله عكرمة. والعرب تسمى الأمصار البحار. وقال قتادة: البر أهل العمود، والبحر أهل القرى والريف. وقال ابن عباس: إن البر ما كان من المدن والقرى على غير نهر، والبحر ما كان على شط نهر، وقاله مجاهد، قال: أما والله ما هو بحركم هذا، ولكن كل قرية على ماء جار فهي بحر. وقال معناه النحاس، قال: في معناه قولان: أحدهما: ظهر الجذب في البر، أي في البوادي وقراها، وفي البحر أي في مدن البحر، مثل:{ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} ([19]) . أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر.
{بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ}ْ أي عقاب بعض{ الَّذِي عَمِلُوا} ثم حذف. والقول الآخر- أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم، فهذا هو الفساد على الحقيقة، والأول مجاز إلا أنه على الجواب الثاني، فيكون في الكلام حذف واختصار دل عليه ما بعده، ويكون المعنى: ظهرت المعاصي في البر والبحر فحبس الله عنهما الغيث وأغلى سعرهم ليذيقهم عقاب بعض الذي عملوا.
{ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} لعلهم يتوبون. وقال: {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} لان معظم الجزاء في الآخرة. والقراءة{ لِيُذِيقَهُمْ} بالياء. وقرا ابن عباس بالنون، وهي قراءة السلمي وابن محيصن وقنبل ويعقوب على التعظيم، أي نذيقهم عقوبة بعض ما عملوا اهــ([20])
وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-: قال ابن عباس، وعِكْرِمة، والضحاك، والسُّدِّي، وغيرهم: المراد {بالبر} هاهنا: الفَيَافي، وبالبحر: الأمصار والقرى، وفي رواية عن ابن عباس وعَكرمة: البحر: الأمصار والقرى، ما كان منها على جانب نهر.
وقال آخرون: بل المراد بالبر هو البر المعروف، وبالبحر: البحر المعروف.
وقال زيد بن رُفَيْع: { ظَهَرَ الْفَسَادُ } يعني: انقطاع المطر عن البر يعقبه القحط، وعن البحر تعمى دوابه. رواه ابن أبي حاتم.
وقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، عن سفيان، عن حميد بن قيس الأعرج، عن مجاهد: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } ، قال: فساد البر: قتل ابن آدم، وفساد البحر: أخذ السفينة غصبا.
وقال عطاء الخراساني: المراد بالبر: ما فيه من المدائن والقرى، وبالبحر: جزائره.
والقول الأول أظهر، وعليه الأكثر، ويؤيده ما ذكره محمد بن إسحاق في السيرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم صَالَح ملك أيلة، وكتب إليه ببحره، يعني: ببلده.
ومعنى قوله تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } أي: بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي.
وقال أبو العالية: مَنْ عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة؛ ولهذا جاء في الحديث الذي رواه أبو داود: (لَحَدٌّ يقام في الأرض أحبّ إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحا) ([21]) . والسبب في هذا أن الحدود إذا أقيمت، انكف الناس -أو أكثرهم، أو كثير منهم -عن تعاطي المحرمات، وإذا ارتكبت المعاصي كان سببا في محاق البركات من السماء والأرض؛ ولهذا إذا نزل عيسى ابن مريم عليه السلام، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية، وهو تركها -فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركاتك. فيأكل من الرمانة الفئَام من الناس، ويستظلون بقَحْفها، ويكفي لبن اللّقحة الجماعةَ من الناس. وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما أقيم العدل كثرت البركات والخير؛ ولهذا ثبت في الصحيح: (إنَّ الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب) ([22]).
ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد والحسين قالا حدثنا عَوْف، عن أبي قحذم قال : وجد رجل في زمان زياد -أو: ابن زياد -صرة فيها حَبّ، يعني من بر أمثال النوى، عليه مكتوب: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل ([23]) .
وروى مالك، عن زيد بن أسلم: أن المراد بالفساد هاهنا الشرك. وفيه نظر.
وقوله: { لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي: يبتليهم بنقص الأموال والأنفس والثمرات، اختبارا منه، ومجازاة على صنيعهم، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي: عن المعاصي، كما قال تعالى: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ([24]).
ثم قال تعالى: { قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ } أي: من قبلكم، { كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ } أي: فانظروا ماذا حلَّ بهم من تكذيب الرسل وكفر النعم اهـ([25])
وقال الإمام البغوي-رحمه الله-: قوله عز وجل: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } يعني: قحط المطر وقلة النبات، وأراد بالبر البوادي والمفاوز، وبالبحر المدائن والقرى التي هي على المياه الجارية. قال عكرمة: العرب تسمي المصر بحرًا، تقول: أجدب البر وانقطعت مادة البحر ، { بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } أي: بشؤم ذنوبهم، وقال عطية وغيره: "البر" ظهر الأرض من الأمصار وغيرها، و"البحر" هو البحر المعروف، وقلة المطر كما تؤثر البر تؤثر في البحر فتخلوا أجواف الأصداف لأن الصدف إذا جاء المطر يرتفع إلى وجه البحر ويفتح فاه فما يقع في فيه من المطر صار لؤلؤا. وقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد: الفساد في البر: قتل أحدا بني آدم أخاه، وفي البحر: غصب الملك الجائر السفينة.
قال الضحاك: كانت الأرض خضرة مونقة لا يأتي ابن، آدم شجرةً إلا وجد عليها ثمرة، وكان ماء البحر عذبًا وكان لا يقصد الأسد، البقرَ والغنمَ، فلما قتل قابيل وهابيل اقشعرت الأرض وشاكت الأشجار وصار ماء البحر ملحًا زعافًا وقصد الحيوان بعضها بعضًا قال قتادة: هذا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم امتلأت الأرض ظلما وضلالة، فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم رجع راجعون من الناس بما كسبت أيدي الناس من المعاصي، يعني كفار مكة .
{ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا } أي: عقوبة بعض الذي عملوا من الذنوب، { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عن الكفر وأعمالهم الخبيثة اهــ([26])
وقال الحافظ ابن القيم –رحمه الله-: وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأَحْوَالِ الْعَالَمِ وَمَبْدَئِهِ يَعْرِفُ أَنّ جَمِيعَ الْفَسَادِ فِي جَوّهِ وَنَبَاتِهِ وَحَيَوَانِهِ وَأَحْوَالِ أَهْلِهِ حَادِثٌ بَعْدَ خَلْقِهِ بِأَسْبَابٍ اقْتَضَتْ حُدُوثَهُ وَلَمْ تَزَلْ أَعْمَالُ بَنِي آدَمَ وَمُخَالَفَتُهُمْ لِلرّسُلِ تُحْدِثُ لَهُمْ مِنْ الْفَسَادِ الْعَامّ وَالْخَاصّ مَا يَجْلِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْآلَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَالْأَسْقَامِ وَالطّوَاعِينِ وَالْقُحُوطِ وَالْجُدُوبِ وَسَلْبِ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَنَبَاتِهَا وَسَلْبِ مَنَافِعِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا أُمُورًا مُتَتَابِعَةً يَتْلُو بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنْ لَمْ يَتّسِعْ عِلْمُك لِهَذَا فَاكْتَفِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ }([27]) وَنَزّلْ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْعَالَمِ وَطَابِقْ بَيْنَ الْوَاقِعِ وَبَيْنَهَا وَأَنْتَ تَرَى كَيْفَ تَحْدُثُ الْآفَاتُ وَالْعِلَلُ كُلّ وَقْتٍ فِي الثّمَارِ وَالزّرْعِ وَالْحَيَوَانِ وَكَيْفَ يَحْدُثُ مِنْ تِلْكَ الْآفَاتِ آفَاتٌ أُخَرُ مُتَلَازِمَةٌ بَعْضُهَا آخِذٌ بِرِقَابِ بَعْضٍ وَكُلّمَا أَحْدَثَ النّاسُ ظُلْمًا وَفُجُورًا أَحْدَثَ لَهُمْ رَبّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ الْآفَاتِ وَالْعِلَلِ فِي أَغْذِيَتِهِمْ وَفَوَاكِهِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَمِيَاهِهِمْ وَأَبْدَانِهِمْ وَخَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ وَأَشْكَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ مِنْ النّقْصِ وَالْآفَاتِ مَا هُوَ مُوجَبُ أَعْمَالِهِمْ وَظُلْمِهِمْ وَفُجُورِهِمْ . وَلَقَدْ كَانَتْ الْحُبُوبُ مِنْ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا أَكْبَرَ مِمّا هِيَ الْيَوْمَ كَمَا كَانَتْ أَعْظَمَ . وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ أَنّهُ وَجَدَ فِي خَزَائِنِ بَعْضِ بَنِي أُمَيّةَ صُرّةً فِيهَا حِنْطَةٌ أَمْثَالَ نَوَى التّمْرِ مَكْتُوبٌ عَلَيْهَا : هَذَا كَانَ يَنْبُتُ أَيّامَ الْعَدْلِ . وَهَذِهِ الْقِصّةُ ذَكَرَهَا فِي " مُسْنَدِهِ " عَلَى أَثَرِ حَدِيثٍ رَوَاهُ . وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْأَمْرَاضِ وَالْآفَاتِ الْعَامّةِ بَقِيّةُ عَذَابٍ عُذّبَتْ بِهِ الْأُمَمُ السّالِفَةُ ثُمّ بَقِيَتْ مِنْهَا بَقِيّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ بَقِيَتْ عَلَيْهِ بَقِيّةٌ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حَكَمًا قِسْطًا وَقَضَاءً عَدْلًا وَقَدْ أَشَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فِي الطّاعُونِ إنّهُ بَقِيّةُ رِجْزٍ أَوْ عَذَابٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَذَلِكَ سَلّطَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الرّيحَ عَلَى قَوْمٍ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ أَبْقَى فِي الْعَالَمِ مِنْهَا بَقِيّةً فِي تِلْكَ الْأَيّامِ وَفِي نَظِيرِهَا عِظَةٌ وَعِبْرَةٌ . وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ أَعْمَالَ الْبَرّ وَالْفَاجِرِ مُقْتَضِيَاتٍ لِآثَارِهَا فِي هَذَا الْعَالَمِ اقْتِضَاءً لَا بُدّ مِنْهُ فَجَعَلَ مَنْعَ الْإِحْسَانِ وَالزّكَاةِ وَالصّدَقَةِ سَبَبًا لِمَنْعِ الْغَيْثِ مِنْ السّمَاءِ وَالْقَحْطِ وَالْجَدْبِ وَجَعَلَ ظُلْمَ الْمَسَاكِينِ وَالْبَخْسَ فِي الْمَكَايِيلِ وَالْمَوَازِينِ وَتَعَدّي الْقَوِيّ عَلَى الضّعِيفِ سَبَبًا لِجَوْرِ الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ الّذِينَ لَا يَرْحَمُونَ إنْ اُسْتُرْحِمُوا وَلَا يَعْطِفُونَ إنْ اُسْتُعْطِفُوا وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ أَعْمَالُ الرّعَايَا ظَهَرَتْ فِي صُوَرِ وُلَاتِهِمْ جَائِرِينَ وَتَارَةً بِأَمْرَاضٍ عَامّةٍ وَتَارَةً بِهُمُومٍ وَآلَامٍ وَغُمُومٍ تُحْضِرُهَا نُفُوسُهُمْ لَا يَنْفَكّونَ عَنْهَا وَتَارَةً بِمَنْعِ بَرَكَاتِ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَنْهُمْ وَتَارَةً بِتَسْلِيطِ الشّيَاطِينِ عَلَيْهِمْ تَؤُزّهُمْ إلَى أَسْبَابِ الْعَذَابِ أَزّا لِتَحِقّ عَلَيْهِمْ الْكَلِمَةُ وَلِيَصِيرَ كُلّ مِنْهُمْ إلَى مَا خُلِقَ لَهُ وَالْعَاقِلُ يُسَيّرُ بَصِيرَتَهُ بَيْنَ أَقْطَارِ الْعَالَمِ فَيُشَاهِدُهُ وَيَنْظُرُ مَوَاقِعَ عَدْلِ اللّهِ وَحِكْمَتِهِ وَحِينَئِذٍ يَتَبَيّنُ لَهُ أَنّ الرّسُلَ وَأَتْبَاعَهُمْ خَاصّةً عَلَى سَبِيلِ النّجَاةِ وَسَائِرُ الْخَلْقِ عَلَى سَبِيلِ الْهَلَاكِ سَائِرُونَ وَإِلَى دَارِ الْبَوَارِ صَائِرُونَ وَاَللّهُ بَالِغٌ أَمْرَهُ لَا مُعَقّبَ لِحُكْمِهِ وَلَا رَادّ لِأَمْرِهِ وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ اهــ([28])
وقال الإمام الشوكاني-رحمه الله-: { ظَهَرَ الفساد فِي البر والبحر بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي الناس } بيّن سبحانه : أن الشرك والمعاصي سبب لظهور الفساد في العالم .
واختلف في معنى ظهور الفساد المذكور ، فقيل : هو القحط وعدم النبات ، ونقصان الرزق، وكثرة الخوف ونحو ذلك ، وقال مجاهد ، وعكرمة : فساد البرّ : قتل ابن آدم أخاه : يعني : قتل قابيل لهابيل ، وفي البحر : الملك الذي كان يأخذ كل سفينة غصباً . وليت شعري أيّ دليل دلهما على هذا التخصيص البعيد والتعيين الغريب ، فإن الآية نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم ، والتعريف في الفساد يدلّ على الجنس ، فيعم كل فساد واقع في حيزي البرّ والبحر . وقال السديّ : الفساد الشرك ، وهو أعظم الفساد . ويمكن أن يقال : إن الشرك وإن كان الفرد الكامل في أنواع المعاصي ، ولكن لا دليل على أنه المراد بخصوصه . وقيل : الفساد كساد الأسعار وقلة المعاش . وقيل : الفساد : قطع السبل والظلم ، وقيل : غير ذلك مما هو تخصيص لا دليل عليه . والظاهر من الآية ظهور ما يصح إطلاق اسم الفساد عليه سواء كان راجعاً إلى أفعال بني آدم من معاصيهم واقترافهم السيئات ، وتقاطعهم وتظالمهم وتقاتلهم ، أو راجعاً إلى ما هو من جهة الله سبحانه بسبب ذنوبهم كالقحط وكثرة الخوف والموتان ونقصان الزرائع ونقصان الثمار . والبرّ والبحر هما المعروفان المشهوران . وقيل : البرّ : الفيافي ، والبحر : القرى التي على ماء قاله عكرمة ، والعرب تسمي الأمصار : البحار. قال مجاهد : البرّ : ما كان من المدن والقرى على غير نهر ، والبحر : ما كان على شط نهر . والأوّل أولى . ويكون معنى البرّ : مدن البرّ ، ومعنى البحر : مدن البحر ، وما يتصل بالمدن من مزارعها ومراعيها . والباء في { بما كسبت } للسببية ، « ما » إما موصولة أو مصدرية {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الذي عَمِلُواْ } اللام متعلقة بظهر ، وهي لام العلة ، أي ليذيقهم عقاب بعض عملهم أو جزاء بعض عملهم { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } عما هم فيه من المعاصي ويتوبون إلى الله اهــ([29])
وقال ابن عاشور-رحمه الله-: موقع هذه الآية ومعناها صالح لعدة وجوه من الموعظة، وهي من جوامع كلم القرآن. والمقصد منها هو الموعظة بالحوادث ماضيها وحاضرها للإقلاع عن الإشراك وعن تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم فأما موقعها فيجوز أن تكون متصلة بقوله قبلها {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} الآيات ([30])، فلما طولبوا بالإقرار على ما رأوه من آثار الأمم الخالية، أو أنكر عليهم عدم النظر في تلك الآثار، أتبع ذلك بما أدى إليه طريق الموعظة من قوله: {هُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}([31])ومن ذكر الإنذار بعذاب الآخرة، والتذكير بدلائل الوحدانية ونعم الله تعالى، وتفريع استحقاقه تعالى الشكر لذاته ولأجل إنعامه استحقاقا مستقرا إدراكه في الفطرة البشرية، وما تخلل ذلك من الإرشاد والموعظة، عاد الكلام إلى التذكير بأن ما حل بالأمم الماضية من المصائب ما كان إلا بما كسبت أيديهم، أي بأعمالهم، فيوشك أن يحل مثل ما حل بهم بالمخاطبين الذين كسبت أيديهم مثل ما كسبت أيدي أولئك.
فموقع هذه الجملة على هذا الوجه موقع النتيجة من مجموع الاستدلال أو موقع الاستئناف البياني بتقدير سؤال عن سبب ما حل بأولئك الأمم. ويجوز أن تقع هذه الآية موقع التكملة لقوله: {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ}([32]) الآية، فهي خبر مستعمل
في التنديم على ما حل بالمكذبين المخاطبين من ضر ليعلموا أن ذلك عقاب من الله تعالى فيقلعوا عنه خشية أن يحيط بهم ما هو أشد منه، كما يؤذن به قوله عقب ذلك {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} . فالإتيان بلفظ الناس في قوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} إظهار في مقام الإضمار لزيادة إيضاح المقصود، ومقتضى الظاهر أن يقال "بما كسبت أيديهم". فالآية تشير إلى مصائب نزلت ببلاد المشركين وعطلت منافعها، ولعلها مما نشأ عن الحرب بين الروم وفارس، وكان العرب منقسمين بين أنصار هؤلاء وأنصار أولئك، فكان من جراء ذلك أن انقطعت سبل الأسفار في البر والبحر فتعطلت التجارة وقلت الأقوات بمكة والحجاز كما يقتضيه سوق هذه الموعظة في هذه السورة المفتتحة بـ {غُلِبَتِ الرُّومُ}([33]).
فموقع هذه الجملة على هذا الوجه موقع الاستئناف البياني لسبب مس الضر إياهم حتى لجأوا إلى الضراعة إلى الله، وما بينها وبين جملة {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضر}([34]) إلى آخره اعتراض واستطراد تخلل في الاعتراض. ويجوز أن يكون موقعها موقع الاعتراض بين ذكر ابتهال الناس إلى الله إذا أحاط بهم ضر ثم إعراضهم عن عبادته إذا أذاقهم منه رحمة وبين ذكر ما حل بالأمم الماضية اعتراضا ينبئ أن الفساد الذي يظهر في العالم ما هو إلا من جراء اكتساب الناس وأن لو استقاموا لكان حالهم على صلاح.
و{الْفَسَادَ} : سوء الحال، وهو ضد الصلاح، ودل قوله: {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} على أنه سوء الأحوال في ما ينتفع به الناس من خيرات الأرض برها وبحرها. ثم التعريف في {الْفَسَادَ} : إما أن يكون تعريف العهد لفساد معهود لدى المخاطبين، وإما أن يكون تعريف الجنس الشامل لكل فساد ظهر في الأرض برها وبحرها أنه فساد في أحوال البر والبحر، لا في أعمال الناس بدليل قوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} .
وفساد البر يكون بفقدان منافعه وحدوث مضاره، مثل حبس الأقوات من الزرع والثمار والكلأ، وفي موتان الحيوان المنتفع به، وفي انتقال الوحوش التي تصاد من جراء قحط الأرض إلى أرضين أخرى، وفي حدوث الجوائح من جراد وحشرات وأمراض.
وفساد البحر كذلك يظهر في تعطيل منافعه من قلة الحيتان واللؤلؤ والمرجان فقد كانا من أعظم موارد بلاد العرب ، وكثرة الزوابع الحائلة عن الأسفار في البحر، ونضوب مياه الأنهار وانحباس فيضانها الذي به يستقي الناس. وقيل: أريد بالبر البوادي وأهل الغمور وبالبحر المدن والقرى، وهو عن مجاهد وعكرمة وقال: إن العرب تسمي الأمصار بحرا. قيل: ومنه قول سعد بن عبادة في شأن عبد الله بن أبي بن سلول: "ولقد أجمع أهل هذه البحرة على أن يتوجوه". يعني بالبحرة مدينة يثرب وفيه بعد. وكأن الذي دعا إلى سلوك هذا الوجه في إطلاق البحر أنه لم يعرف أنه حدث اختلال في سير الناس في البحر وقلة فيما يخرج منه. وقد ذكر أهل السير أن قريشا أصيبوا بقحط وأكلوا الميتة والعظام، ولم يذكروا أنهم تعطلت أسفارهم في البحر ولا انقطعت عنهم حيتان البحر، على أنهم ما كانوا يعرفون بالاقتيات من الحيتان.
وعلى هذه الوجوه الثلاثة يكون الباء في قوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} للعوض، أي جزاء لهم بأعمالهم، كالباء في قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}([35]) ويكون اللام في قوله: {لِيُذِيقَهُمْ} على حقيقة معنى التعليل.
ويجوز أن يكون المراد بالفساد الشرك قاله قتادة والسدي فتكون هذه الآية متصلة بقوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ} إلى قوله: {هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ}([36])فتكون الجملة إتماما للاستدلال على وحدانية الله تعالى تنبيها على أن الله خلق العالم سالما من الإشراك، وأن الإشراك ظهر بما كسبت أيدي الناس من صنيعهم، وهذا معنى قوله في الحديث القدسي في "صحيح مسلم" : (إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فأجالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بي) ([37])الحديث.
فذكر البر والبحر لتعميم الجهات بمعنى: ظهر الفساد في جميع الأقطار الواقعة في البر والواقعة في الجزائر والشطوط، ويكون الباء في قوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} للسببية، ويكون اللام في قوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} لام العاقبة، والمعنى: فأذقناهم بعض الذي عملوا، فجعلت لام العاقبة في موضع الفاء كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً}([38])أي فأذقنا الذين أشركوا بعض ما استحقوه من العذاب لشركهم. ويجوز أن يكون المعنى أن الله تعالى خلق العالم على نظام محكم ملائم صالح للناس فأحدث الإنسان فيه أعمالا سيئة مفسدة، فكانت وشائج لأمثالها:
وهل ينبت الخطي إلا وشيجه
فأخذ الاختلال يتطرق إلى نظام العالم قال تعالى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ*إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ([39])
وعلى هذا الوجه يكون محمل الباء ومحمل اللام مثل محملهما على الوجه الرابع. وأطلق الظهور على حدوث حادث لم يكن، فشبه ذلك الحدوث بعد العدم بظهور الشيء الذي كان مختفيا.
ومحمل صيغة فعل {ظَهَرَ} على حقيقتها من المضي يقتضي أن الفساد حصل وأنه ليس بمستقبل، فيكون إشارة إلى فساد مشاهد أو محقق الوقوع بالأخبار المتواترة. وقد تحمل صيغة الماضي على معنى توقع حصول الفساد والإنذار به فكأنه قد وقع على طريقة {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ}([40]). وأياما كان الفساد من معهود أو شامل، فالمقصود أن حلوله بالناس بقدرة الله كما دل عليه قوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} ، وأن الله يقدر أسبابه تقديرا خاصا ليجازي من يغضب عليهم على سوء أفعالهم.
وهو المراد بما كسبت أيديهم لأن إسناد الكسب إلى الأيدي جرى مجرى المثل في فعل الشر والسوء من الأعمال كلها، دون خصوص ما يعمل منها بالأيدي لأن ما يكسبه الناس يكون بالجوارح الظاهرة كلها، وبالحواس الباطنة من العقائد الضالة والأدواء النفسية.
و {مَا} موصولة، وحذف العائد من الصلة، وتقديره: بما كسبته أيدي الناس، أي بسبب أعمالهم. وأعظم ما كسبته أيدي الناس من الأعمال السيئة الإشراك وهو المقصود هنا وإن كان الحكم عاما. ويعلم أن مراتب ظهور الفساد حاصلة على مقادير ما كسبت أيدي الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسئل: (أي الذنب أعظم أن تدعو لله ندا وهو خلقك)([41])، وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ}([42]) وقال {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقا} ([43]).
ويجري حكم تعريف {النَّاسِ} على نحو ما يجري في تعريف {الْفَسَادَ} من عهد أو عموم، فالمعهود هم المشركون وقد شاع في القرآن تغليب اسم {النَّاسِ} عليهم.
والإذاقة: استعارة مكنية؛ شبه ما يصيبهم من الآلام فيحسون بها بإصابة الطعام حاسة المطعم. ولما كان ما عملوه لا يصيبهم بعينه تعين أن بعض الذي عملوا أطلق على جزاء العمل ولذلك فالبعضية تبعيض للجزاء، فالمراد بعض الجزاء على جميع العمل لا الجزاء على بعض العمل، أي أن ما يذيقهم من العذاب هو بعض ما يستحقونه. وفي هذا تهديد إن لم يقلعوا عن مساوئ أعمالهم كقوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} ([44])، ثم وراء ذلك عذاب الآخرة كما قال تعالى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى}([45]) والعدول عن أن يقال: بعض أعمالهم إلى {بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} للإيماء إلى ما في الموصول من قوة التعريف، أي أعمالهم المعروفة عندهم المتقرر صدروها منهم.
والرجاء المستفاد من {لَعَلَّ} يشير إلى أن ما ظهر من فساد كاف لإقلاعهم عما هم اكتسبوه، وأن حالهم حال من يرجى رجوعه فإن هم لم يرجعوا فقد تبين تمردهم وعدم إجداء الموعظة فيهم، وهذا كقوله تعالى: {أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ} ([46]).
والرجوع مستعار للإقلاع عن المعاصي كأن الذي عصى ربه عبد أبق عن سيده، أو دابة قد أبدت، ثم رجع. وفي الحديث (لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلا وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا دابته عنده) ([47]).
وقرأ الجمهور {لِيُذِيقَهُمْ} بالياء التحتية، أي ليذيقهم الله. ومعاد الضمير قوله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} ([48]). وقرأه قنبل عن ابن كثير وروح عن عاصم بنون العظمة اهــ([49])
وقال العلامة السعدي-رحمه الله-: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } كما أن الطاعات تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة اهــ([50])
وقال العلامة ابن عثيمين-رحمه الله-: وقوله تعالى: { في الأرض }: المراد الأرض نفسها؛ أو أهلها؛ أو كلاهما . وهو الأولى؛ أما إفساد الأرض نفسها: فإن المعاصي سبب للقحط، ونزع البركات، وحلول الآفات في الثمار، وغيرها، كما قال تعالى عن آل فرعون لما عصوا رسوله موسى عليه السلام: { وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}([51]) ، فهذا فساد في الأرض.
وأما الفساد في أهلها: فإن هؤلاء المنافقين يأتوا إلى اليهود، ويقولون لهم: { لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ } ([52]) : فيزدادوا استعداءً للرسول صلى الله عليه وسلم ومحاربة له؛ كذلك أيضاً من فسادهم في أهل الأرض: أنهم يعيشون بين المسلمين، ويأخذون أسرارهم، ويفشونها إلى أعدائهم؛ ومن فسادهم في أهل الأرض: أنهم يفتحون للناس باب الخيانة والتَقِيَّة، بحيث لا يكون الإنسان صريحاً واضحاً، وهذا من أخطر ما يكون في المجتمع اهـ([53])

هذا ما تيسّر لي جمعه
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه
أجمعين


جمع وتخريج
أبو المقداد ربيع بن علي بن عبد الله الليبي
ليلة الجمعة 21 رمضان 1443

ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــ
[1]-سورة الروم: 49.
[2]-سورة البقرة: 59.
[3]– سورة الأعراف: 163.
[4]-سورة الأعراف 165.
[5]-سورة الأعراف 96.
[6]سورة الأنعام:49.
[7] سورة النساء: 79.
[8]– سورة الإسراء: 16.
[9]– سورة العنكبوت: 40.
[10]-سورة العنكبوت:34.
[11]-سورة الشورى:30.
[12]سورة القصص:59.
[13]-سورة غافر:21.
[14]-سورة نوح: 25.
[15]-سورة الشمس:11.
[16]قال أبو المقداد: أخرجه الإمام ابن ماجه برقم: (4019)، والإمام ابن حبان برقم: (4019).
قال البوصيري-رحمه الله-: رواه الحاكم أبو عبدالله الحافظ في كتابه (المستدرك) في آخر كتاب الفتن مطولا من طريق عطاء بن أبي رباح به قال هذا حديث صحيح الإسناد هذا حديث صالح للعمل به وقد اختلف في ابن أبي مالك وأبيه فأما الولد فاسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي فوثقه أبو زرعة الدمشقي وأبو زرعة الرازي وأحمد بن صالح المصري وضعفه أحمد وابن معين والنسائي والدارقطني وأما أبوه فهو قاضي دمشق وكان من أشمة التابعين وثقه ابن معين وأبو زرعة الرازي وابن حبان والدارقطني واليرقاني وقال يعقوب بن سفيان في حديثهما ليث يعني خالد وأبوه ووراه البزار والبيهقي من هذا الوجه ورواه الحاكم بنحوه من حديث بريدة وقال صحيح الإسناد ورواه مالك بنحوه موقوفا على ابن عباس ورفعه الطبراني وغيره إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم. " مصباح الزجاجة"(4/186).
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-: قد وقع في حديث بن عمر ما يدل على أن الطاعون ينشأ عن ظهور الفاحشة أخرجه بن ماجه والبيهقي بلفظ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الحديث وفي إسناده خالد بن يزيد بن أبي مالك وكان من فقهاء الشام لكنه ضعيف عند أحمد وبن معين وغيرهما ووثقه أحمد بن صالح المصري وأبو زرعة الدمشقي وقال بن حبان كان يخطئ كثيرا وله شاهد عن بن عباس في الموطأ بلفظ ولا فشا الزنا في قوم قط إلا كثر فيهم الموت الحديث وفيه انقطاع وأخرجه الحاكم من وجه آخر موصولا بلفظ إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله وللطبراني موصولا من وجه آخر عن بن عباس نحو سياق مالك وفي سنده مقال وله من حديث عمرو بن العاص بلفظ ما من قوم يظهر فيهم الزنا إلا أخذوا بالفناء الحديث وسنده ضعيف وفي حديث بريدة عند الحاكم بسند جيد بلفظ ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولأحمد من حديث عائشة مرفوعا لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنا فإذا فشا فيهم ولد الزنا أوشك أن يعمهم الله بعقاب وسنده حسن ففي هذه الأحاديث أن الطاعون قد يقع عقوبة بسبب المعصية. "فتح الباري"(10/193).
وقال العلامة الألباني-رحمه الله-: هذا سند ضعيف من أجل ابن أبي مالك و اسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن ابن أبي مالك و هو ضعيف مع كونه فقيها و قد اتهمه ابن معين كما في " التقريب ".
و قال البوصيري في " الزوائد " .
" هذا حديث صالح للعمل به ، و قد اختلفوا في ابن أبي مالك و أبيه " .
قلت الأب لا بأس به ، و إنما العلة من ابنه ، و لذلك أشار الحافظ ابن حجر في" بذل الماعون " لضعف الحديث بقوله ( ق 55 / 2 ) :" إن ثبت الخبر " .
قلت : قد ثبت حتما فإنه جاء من طرق أخرى عن عطاء و غيره ، فرواه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " ( ق 62 / 2 ) من طريق نافع بن عبد الله عن فروة بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح به .
قلت : و هذا سند ضعيف ، نافع و فروة لا يعرفان كما في " الميزان " .
و رواه الحاكم ( 4 / 540 ) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح به و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : بل هو حسن الإسناد فإن ابن غيلان هذا قد ضعفه بعضهم ، لكن وثقه الجمهور ، و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق فقيه ، رمي بالقدر " .
و رواه الروياني في " مسنده " ( ق 247 / 1 ) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا .
و هذا سند ضعيف ، عطاء هذا هو ابن أبي مسلم الخراساني و هو صدوق لكنه مدلس و قد عنعنه . و ابنه عثمان ضعيف كما في " التقريب " .
فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة ، و هي إن لم تزده قوة فلا توهنه .
( السنين ) جمع سنة أي جدب و قحط .
( يتخيروا ) أي يطلبوا الخير ، أي و ما لم يطلبوا الخير و السعادة مما أنزل الله .
و لبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ : " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم ، و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلاّ سلط الله عز و جل عليهم الموت ، و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ". أنظر "السلسلة الصحيحة" حديث رقم: (106).
[17]-أخرجه الإمام أبو داود برقم: (4339)، والإمام الترمذي (2168-) (3057) وقال حديث حسن، والإمام ابن ماجه برقم: (4005)، وصححه الإمام ابن حبان (304)، انظر "مشكاة المصابيح" بتعليق العلامة الألباني حديث رقم:(5142).
[18]-" جامع البيان "(3/583)ط/ دار هجر.
[19]سورة يوسف: 82.
[20]-" الجامع لأحكام القرآن "(14/40)ط/ دار الكتب المصرية.
[21]قال أبو المقداد: أخرجه الإمام أحمد في (مسنده)، (2/362)، وابن ماجه برقم: (2538-)، والنسائي في (الكبرى) برقم: (7350) وغيرهم من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه-.
قال العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني-رحمه الله-: هذا الإسناد رجاله ثقات غير جرير بن يزيد و هو البجلي و هو ضعيف كما في " التقريب " ، لكنه لم يتفرد به ، فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1507) من طريق يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة به و لفظه : " إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا " . و سنده صحيح رجاله كلهم ثقات .
ثم استدركت فقلت : إنه معلول ، فإن إسناده عند ابن حبان هكذا : أخبرنا ابن قتيبة حدثنا محمد بن قدامة حدثنا ابن علية عن يونس بن عبيد به .وكذا رواه أبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1/ 114 / 1 ) من طريق أخرى عن ابن قدامة به و قال : " تفرد به محمد بن قدامة " .
و هذا الإسناد و إن كان ظاهر الصحة ، و رجاله كلهم ثقات ، و منهم محمد بن قدامة وهو ابن أيمن المصيصي قال النسائي: لا بأس به ، و قال مرة : صالح . وقال الدارقطني : ثقة ، و قال مسلمة بن قاسم : ثقة صدوق .
أقول : فهو و إن كان ثقة كما رأيت ، فقد خالفه في إسناده من هو أوثق منه و أحفظ ، فقال النسائي عقب روايته السابقة : " أخبرنا عمرو بن زرارة قال : أنبأنا إسماعيل ، قال : حدثنا يونس بن عبيد عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة قال : قال أبو هريرة : إقامة حد … " .
فعمرو بن زرارة هذا هو ابن واقد النيسابوري المقرىء الحافظ ، و قد اتفقوا على وصفه بأنه ثقة ، بل قال فيه محمد بن عبد الوهاب ( و هو ابن حبيب النيسابوري الثقة العارف ) : ثقة ثقة . فهو بلا شك أوثق من ابن قدامة الذي قيل فيه :
" لا بأس به " ، " صدوق " ، و لذلك احتج به الشيخان بخلاف المذكور ، و قد خالفه فى موضعين :
الأول : أنه أوقفه على أبي هريرة ، و ذاك رفعه .
و الآخر : أنه سمى شيخ يونس بن عبيد جرير بن زيد . و ذاك سماه عمرو ابن سعيد و هذا ثقة ، و الذي قبله ضعيف كما سبق ، و إذا اختلفا في تسميته فالراجح رواية ابن زرارة لأنه أوثق من مخالفه ، و إذا كان كذلك فقد رجعت هذه الرواية إلى أنها من الوجه الأول ، و هو ضعيف كما عرفت .
ثم رأيت لابن زرارة متابعا و هو الحسن بن محمد الزعفراني ، رواه عنه المحاملي
في " الأمالي " ( 1 / 72 / 1 ) .
نعم الحديث حسن لغيره فإن له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ : " حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين يوما " .
أخرجه سمويه في " الفوائد " و الطبراني في " الكبير " و الأوسط بإسناد .
قال المنذري و العراقي : " حسن " و فيه نظر بينته في " الأحاديث الضعيفة " و لكنه لا بأس به في الشواهد .
و له شاهد آخر من حديث ابن عمر ، رواه ابن ماجه ، و الضياء في " المختارة "( ق 90 / 1 ) ، لكن إسناده ضعيف جدا فيه سعيد بن سنان و هو الحمصي قال في" التقريب " : " متروك ، رماه الدارقطني و غيره بالوضع " . فمثله لا يستشهد به.أنظر "السلسلة الصحيحة" حديث رقم (231).

[22]قال أبو المقداد: أخرجه الإمام البخاري في صحيحه برقم: (6512)، والإمام مسلم برقم: (950) من حديث أبي قتادة بن ربعي الأنصاري-رضي الله عنه-.
[23]قال أبو المقداد: أخرجه الإمام أحمد في (مسنده)، (2/296) .
قال الهيثمي-رحمه الله-: وأبو قحذم ضعيف. " مجمع الزوائد "(5/197).
وقال ابن معين: ليس بشيء.
وقال الدارقطني والدولابي: ليس بثقة.
وقال أبو حاتم: رأى أبا بَكرة [187 – ب]، وعنه منصور بن زاذان.
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: له رواية عن عبد الله بن جراد، وفي المسند من طريق عوف عن أبي قحذم قال: وجد في زمن زياد صرة فيها حَبُّ أمثال النوى مكتوبٌ عليها هذا نبت في زمن كان يعمل فيه بالعدل. أنظر " التَّكْميل في الجَرْح والتَّعْدِيل "(3/384).
[24]-سورة الأعراف: 168.
[25]-" تفسير القرآن العظيم "(6/319-320)ط/ دار طيبة.
[26]-" معالم التنزيل "(6/274)ط/دار طيبة.
[27]-سورة الرّومُ : 41.
[28]-" زاد المعاد "(4/329)ط/الرسالة.
[29]-" فتح القدير "(1/1136)ط/المعرفة.
[30]-سورة الروم: 9.
[31]-سورة الروم: 27.
[32]-سورة الروم: 33.
[33]-سورة الروم: 2.
[34]-سورة الروم: 33.
[35]-سورة الشورى: 30.
[36]-سورة الروم: 40.
[37]قال أبو المقداد: أخرجه الإمام مسلم برقم: (2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي-رضي الله عنه-.
[38]-سورة القصص: 8.
[39]-سورة التين: (4- 6).
[40]-سورة النحل: 1.
[41]-أخرجه الإمام البخاري برقم: (أخرجه البخاري برقم : (4447)، (4761)، (6001)، (6811) ،(7520) (6861) ، (7532) ، والإمام مسلم برقم :(8)
[42]-سورة الشورى: 30.
[43]-سورة الجن: 16.
[44]-سورة الفاطر: 45.
[45]-سورة طه: 127.
[46]-سورة التوبة: 126.
[47]– أخرجه الإمام البخاري برقم:(6309) واللّفظ له، ومسلم برقم:(2747).
[48]-سورة الروم: 40.
[49]-" التحرير والتنوير "(21/63).
[50]-" تيسير الكريم الرحمن "(1/291)ط/الرسالة.
[51]– سورة الأعراف: 130.
[52]-سورة الحشر: 11.
[53]-" تفسير العلامة محمد العثيمين " تحت تفسير قول الله –جل وعز-:{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ }.

منقول لتعم للفائدة والاجر

تعليمية تعليمية




جزاك الله عنا خير الجزاء




مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه




اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.