القـــدس والقضية الفلسطينية
تنفس التاريخُ شهقاته الأولى على أرضها واكتسب نبضه من مهدها..قدس عربية نام الزمانُ على كتفها لترتقي مهداً للأنبياء وأرضاً للحضارات القديمة، باتت مدينة السلام وزهرة المدائن بمآذنها وقبابها وأجراس كنائسها وأسوارها وأبوابها العريقة.. على هذه الأرض المباركة شهدت الحضارات بدايات خلقها ووهج نجمها وسمو ثقافاتها ببعدها الديني والروحاني والإنساني، فيما تتجلى العبادة بمساجدها وكنائسها بأعلى معانيها وترتفع القيم إلى سقف سمائها..ولأنها تمتلك كل هذه المواصفات صمدت في وجه الريح وقاومت ببسالة على مرّ التاريخ أربعة وعشرين محاولة تدمير، لكنها صعدت إلى سمائنا كطائر فينيق أسطوري لا يزال يجدد روحه وأجنحته رغم بشاعة الاحتراق والحصار.. وكل محاولات تغيير هويتها وملامحها.
منذ سنوات طويلة تتعرض المدينة المقدسة إلى حملة منظمة وواسعة لتغيير هويتها الثقافية العربية ووجهها الحضاري والتاريخي والتراثي الاسلامي والمسيحي، من خلال سن القوانين العسكرية وتنفيذ إجراءات احتلالية تستهدف تهميش الوجود الفلسطيني في المدينة، ومحاولة فرض الأمر الواقع الإسرائيلي عليها.
وقد تعددت أوجه وإجراءات عملية تطهير عرقي يوظفها الاحتلال من أجل تغيير التركيبة السكانية للمدينة وصبغها بالطابع اليهودي، فقد صادرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي آلاف الدونمات المحيطة بمدينة القدس، وأقامت عليها عددا من المستوطنات الكبيرة، كما بنت مئات الوحدات الاستيطانية داخل المدينة نفسها، وسحبت عدداً كبيراً من هويات المواطنين الفلسطينيين من سكان المدينة، في سياق إجراءات مبيتة تنطوي على فرض القوانين التعسفية للتضييق على حياتهم وإجبارهم على العيش خارجها، كما قامت ببناء الجدار العنصري حولها في محاولة لخنقها وعزلها عن محيطها الفلسطيني، وكذلك إقامة نقاط التفتيش العسكرية لعزل الأحياء عن بعضها. ونظم الاحتلال حملة اعتداءات على التراث الثقافي استهدفت الحرم القدسي الشريف، عبر الحفريات التي تقوم بها تحت الحرم وحوله، بحجة البحث والتنقيب عن الهيكل والآثار اليهودية وحجج وهمية أخرى، تهدف في مجملها للسيطرة على موقع القدس واسكات التاريخ والثقافة. وقد تجلى هذا الهدف بوضوح لدى قيام دولة الاحتلال بمحاولة فاشلة لتسجيل مواقع تاريخية في القدس كمواقع إسرائيلية على لائحة التراث العالمي لدى منظمة اليونسكو، رغم أن المنظمة الثقافية الدولية قامت بتسجيل المدينة التاريخية على لائحة التراث العالمي كموقع عربي منذ العام 1981، وأدرجتها أيضاً على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر منذ العام 1982.
|