نظرية المثل لافلاطونيوحنا بيداوييد
اصل (فكرة المثل) او نظرية المثلعند افلاطون جاءت من عملية التمييز بين الحقيقة والمظاهر او الشيء الظاهر، وقد بدأالجدال في هذا الموضوع في البداية على يد بارماندس ثم فيثاغورس. كما قلنا فيدراستنا عن حياة فيثاغورس هناك نبرة دينية او صبغة دينية عنده في موضوع (تفسيرالحقيقة) اكثر من بارمنداس،كذلك هناك تداخل في المواضيع مثل الرياضيات والموسيقىالتي هي قريبة من افكار فيثاغورس.
بصورة عامة ان اراء فيثاغورس وبارمنداسوالاساطير المتداولة كلها جمعت معا في هذا الموضوع في ذلك الوقت، الذي نال رضىالمفكرين العقلانيين والمتدينين. هكذا خرجت نظرية المثل الى الوجود على يد افلاطون،التي تركت اثرا كبيرا على مدى كل العصور، الى ايام عمانوئيل كانت و هيجل والى حديومنا هذا، حتى على الفكر اللاهوتي الكنسي بالاخص الاباء الكبار امثال اوغسطينوسوتوما الاكويني .
اذن لنبدأ نقاشنا ما المقصود بكلمة ( فيلسوف) ؟. الجوابهو محب الحكمة، لكن
هناك فرق بين محب الحكمة ومحب امتلاك المعرفة التي تأتي منشخص عادي.
اذن لمحب الحكمة او الفيلسوف رغبة في رؤية الحقيقة.
والان ماهي الرؤية؟
لنفرض شخص ما يحب معرفة اشياء او التحسس بها او الاستماع اليها اورؤيتها،
هذا الشخص هو ليس فيلسوفا، لانه فقط يحب ان يرى الاشياء الجميلة (التحسس بها)، بينما الفيلسوف يحب الجمال نفسه او الحيقيقة نفسها وهو يقظ في مايفعله، يحب ان يرى الجمال الكلي او المطلق.
بينما محب امتلاك المعرفة هويحلم اي ليس في الواقع الحي، فالاول له رأي والاخر له معرفة.
الان ما هو الفرقبين الرأي والمعرفة؟
الشخص الذي يمتلك معرفة، هذه المعرفة هي عن شيء له وجود،اما الشيء الغير موجود فهو لا شيء.
(هذا كان جدال بارمنداس في المنطق) عنالمعرفة التي هي معصومة من الخطأ لانها منطقيا هي مستحيلة ان تكون خاطئة، .بينماصاحب الرأي يمكن ان يكون خاطئا. كيف يتم ذلك؟
الرأي لا يمكن ان يكون عن شيء لايكون، اي انه غير موجود وعن شيء موجود في نفس الوقت لانها سوف تصبح معرفة.
اذنصاحب الراي يكون موجود في كلا الحالتين اي حالة الاثبات والنفي، الوجود والعدم
كيف؟
في التطبيق العملي الشيء يشارك في الصفة المختلفة او المعارضة لنفسه.
فالشيء الذي هو جميل بدرجة ما، هو ايضا رديء بدرجة ما.
الشيء الذي هوعادل، هو ايضا شيء غير عادل بدرجة ما.
من هنا كانت بداية افلاطون في وضعالحجر الاساس لنظريته المشهورة ( نظرية المثل).
وقال ان الاشياء المرئية اوالعملية التي لها الطبيعة التاقضية او التعارضية والمخالفة واحدة للاخرى، هي اشياءواقعة بين اشياء الموجودة والغير الموجودة وهي ملائمة لابداء موضوع الرأي فيهاوليس المعرفة.
لهؤلاء الذين يرون المطلق و الابدية والخلود يمكن القول انهميعرفون و لايملكون الرأي..
وهذا يوصلنا الى القول، بان الرأي هو عالم متمثلبالاحساس، بينما المعرفة هي عالم اخر فوق عالم الحواس.
اذن الاشياء التي هيجميلة وغير جميلة او عادلة وغير عادلة هي الاشياء الموجودة في العالم السفلي اوالمادي وهي اشياء غير حقيقة
وهنا نتذكرقول هيرقليدس ( عندما نضع ارجلنا فيالنهر ونعيدها مرة اخرة، فاننا لا نضع ارجالنا في نفس النهر) اي بمعنى نحن نكونولا نكون في نفس الوقت.
نظرية المثل مبينة على هذه الاستنتاجات المنطقية والميتافيزيقية .
الجزء المنطقي فيها هو التعامل مع معنى الكلمات، اي المستخدمةفي شروحات
افلاطون، يعتقد ان الذي نراه هو هذا العالم الذي نلمسه، ونختبره منخلال الحواس هو عالم غير حقيقي، بل هو عالم مشابه او مستنستخ من العالم الحقيقيبصورة غير كاملة. في هذا العالم الاشياء تتغير، تأتي وتذهب ، تبرد وتسخن ، انه عالمالاخطاء الكثيرة ،المشوه،المملوء من الشر ونحن نختبره في كل يوم، لكنه ليس عالمحقيقي.
لكن هناك عالم حقيقي الذي توجد فيه كل الاشياء الحقيقية التي هي في صيغةالكمال التي لها صيغة مشابهة اومستنسخة منها في عالمنا المحسوس.
ودعى افلاطونهذا العالم عالم الحقيقية او الصحيح.
مثلا في ذلك العالم نجد الشجرة الحقيقيةالتي منها استنسخت الشجرة التي نراها الان. ونفس الشيء البيت الحقيقي الذي منهاشتقت فكرة البيت في عالمنا، اوكل الاشياء في الكون المرئي او المحسوس .ان هذاالعالم هو عالم الحقيقة ، عالم الكمال ، الغير متغير، لا يذبل اولا يموت ، وهوالعالم الذي يبقى الى الابد
هذه الافكار او الصيغ لم تخلق بل وجدت منذ بدايةالكون وهي في حالة الكمال والتي سوف تبقى موجودة الى الابد اي خالدة.
هذاالعالم هو مستقل من كل شيء وغير مـتأثر بالتغيرات التي تحصل للعالم الذي نختبره عنطريق الحواس.
كل الافكار هي منظمة في عالم المثل بتسلسل ، الفكرة الاكثر كمالاهي التي في القمة ، وهي فكرة الخير الاكمل .
لكن ماذا عن عالم المادة ؟العالم الواقعي او العالم الذي نعيش فيه؟
يقول افلاطون ان عالم المادة يحكمهقانون اخر في الكون، هذا العالم الذي ليس فيه اي شيء من عالم الكمال او المثل الذيتكلمنا عنه الان .اي انه عالم المادة الاولية الذي صورت فيه او بصمت عليه افكارعالم المثل
كيف يشرح افلاطون ذلك؟
يقول لنفكر في عمل النحات، لنفرض انهلديه فكرة في صنع تمثال معين من مادة الرخام ، لنقل الان ان الفكرة هي (صورةالتمثال ) وهي مستقلة عن كل انواع الرخام او المادة الاولية الموجود في الكون، لكنبالنسبة للرخام (اي المادة الاولية) هناك حالة ضرورية (قانون طبيعي حسب رأيافلاطون) تتطلب او تتصارع في وجدها من اجل ان تكون مدركة او معروفة للاخرين عنطريق الحواس. لذلك النحات اخذ قطعة من الرخام ونحت عليها صورة التمثال الذي يرغبها.
اذن الرخام كمادة اولية انطبعت عليها فكرة التمثال، بدون فكرة النحات لم يكنهناك اي احتمال ان يُكون الرخام هذا التمثال بذاته، لكن النحات يستطيع عمل عدةانواع من التماثيل من نفس الفكرة دون ان تتأثر بها الفكرة الاصلية.
في هذهالطريقة فسر افلاطون خلق العالم و كل الذي نختبره عن طريق الحواس ،ان العالم الماديمُدان الى عالم المثل الذي اعطاها الفكرة او الهيئة او الشكل او الصيغة.
اذنعالمنا ليس عالم حقيقي لكنه عالم مبصومة او مطبوعة عليها فكرة الحقيقة . لذلك يقولافلاطون ان معرفتنا عن الحقيقة هي كمعرفة الجالسين في الكهف امام النار ويرون ظلالاشخاص يمرون من خلفهم على جدار الكهف، لذلك العالم المادي هو غير كامل، بل هو عالمالاخطاء ،عالم النقص.ولا يعود نقصه الى عالم المثل او الحقيقي.
اما كيف تم خلقالمادة الاولية ، عالم الاحساس الذي نعيشه ؟
في احدى مناقشته المشهورة مع Timaeus يشرح لنا افلاطون فكرته كيف تم خلق العالم المادي. يقول كان هناك مصمم Architect or Deminurge الذي وضع العالم المادي وعالم الافكار او المثل معا. مثلالنحات الذي ذكرناه اعلاه
لكن افلاطون لا يخبرنا من اين اتت المادة الاوليةولا الفكرة والمصمم.
هناك فكرة مثالية واحدة عن شجرة البلوط ، لكن هناكالملايين من اشجار البلوط في العالم.كلها غير كاملة او مثالية.
البعض منالفلاسفة اعطوا لافلاطون لقب المثالي الاول لانه يعتبر واضع اول نظرية فيها فكرةالمثل وقسم اخر من الفلاسفة يرفضون هذا اللقب، لان الفلاسفة المثاليين او اصحابالفلسفة المثالية هم لا يؤمنون بوجود اي مادة في الكون بتاتا. بينما افلاطون يعترفبوجود مادة في الكون.
العلاقة بين الروح والمادة
عند افلاطون الروح هيمصدر المعرفة، الافكار هي موجودة في العقل او الروح (كان يعتبر العقل والروح شيئواحد في ذلك الوقت) قبل ان تنتقل الى الجسم. فعند الولادة تفقد الروح قابليتها علىالتذاكر، فيحل ضباب او غيمة على هذه المعرفة ولذلك تنسى الروح كل ما كان لديها منالمعرفة ، لكن من خلال عمليات التفكير وايجاد التفاسير ادت في النهاية الى ان تتذكرالروح شيئا قليلا من معرفتها الاصلية الكاملة التي كانت تمتلكها قبل ان تتحد معالجسد ، كل المعرفة عند افلاطون اصلها الروح، امتلكتها الروح من خلال الخبرة قبل انتاتي الى عالم الجسد .
عند افلاطون الكون يتكون من شيئين هما الروح والجسد،الجسد مختلف من الروح كليا. فالمادة هي مثل عجينة التي يجب ان تكون فيها الروح لكييصبح لها هيئة ، اذن المادة هي مادة اولية لكي تترك الروح او الفكر اثراعليها،المادة ليس لديها اي فكرة او شكل حقيقي مالم يعمل عليها الروح ويعطيها الوجودالحقيقي، يبصم عليها شكل او هيئة ما.
اذن الروح هي الشيء الحقيقي الوحيد لهقيمة ، اليها يرجع القانون والتسلسل المنطقي في الكون.
المادة هي شيء ميتانجذبت اليه الروح مع الافكار التي امتلكتها من الخبرة في عالم الكمال او الحقيقي،هذه الافكار التي هي حقيقية وصحيحة، تاخذ المادة شكل هذه الافكار لبعض من الوقت .
كما قلنا الشجرة التي نراها انا وانت هي غير حقيقة عند افلاطون لكن الروح اتخذتقليلا من المادة وطبعت عليه فكرة الشجرة
اذن الشجرة الحقيقة الصحيحة موجودة فقطفي عالم المثل التي تم رؤيتها من قبل الروح قبل التجسد او الولادة.
اعتمدافلاطون على شيء من الاساطير المتداولة في زمانه وقال ان الروح كانت موجودة فيالسماء على النجوم في حالتها الكمالية قبل ان تتجسد ، لكن اشتهت ان تنزل الى عالمالحواس او الاحساس الذي نعيشه الان ، لذلك اصبحت في سجن الجسد بعد ان اتحدت به
هنا في هذا العالم المادي تتصارع الروح من اجل ان تفصل ذاتها من الجسد مرةاخرة وتعود حيث ما كانت الى حالتها الخالدة.
طبعا هذا التفسير اليوم غير مقبولوغير منطقي وهناك اماكن لم يكن افلاطون واثقا من ذاته في طريقة طرح افكار وايجادالتفسير الصحيح او الربط بينها.
لذلك اصبحت اكبر مشكلة فكرية عنده هي كيفيةالربط بين الفكر او الروح والجسد.
1 Basic Issues of Philosophy, Marvin Earbon, Harpar Torchbooks, New york,1968
2 Basic Teaching of the Great Philosophers, S. E. Frost, Doubleday & Company, New York, 1962
3 History of western Philosophy, Bertrand Russel, George Allen & unwin Ltd.,London,1961