التصنيفات
الفقه واصوله

ما حكم رؤية اللاّعبين في التلفزة كاشفين لأفخاذهم وهل يعتبر الفخذ عورة أم لا؟ يجيبك ال

الفتوى رقم: 52

الصنف: فتاوى الصـلاة


هل الفخذ عورة ؟

السؤال: ما حكم رؤية اللاّعبين في التلفزة كاشفين لأفخاذهم وهل يعتبر الفخذ عورة أم لا؟

الجواب: الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلّم تسليما أمّا بعد:

فقد تنازع العلماء في كون الفخذ عورة على مذاهب، ولكلٍّ أدلة ثابتة وصحيحة لكنّها متعارضة وإعمال الجمع فيها متعذر والصيرورة إلى الترجيح حتم، ولا يخفاك أنّ الذي يرى عدم معارضة الدّليل الفعلي للقولي كالشوكاني لا يصير إلى الترجيح لانتفاء التعارض بين الأدلة إذ الترجيح لا يحصل إلاّ عند حدوث التعارض، وعند من يعتبر هذا فلا إشكال عنده في كون الفخذ عورة إعمالا للأدلة القولية.

وإذا أمعنت النّظر وجدت فضلا عن تعارض الأدلة تعارض ترجيحين، الأول باعتبار السند ومعارضه الآخر باعتبار المتن والحكم أو المدلول.

فباعتبار السند يظهر دليل من قال بأنّ الفخذ ليس بعورة استناداً إلى ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك "أنّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر حسر الإزار عن فخذه حتى إنّي لأنظر إلى بياض فخذه"(١) أصح إسنادا من حديث جرهد الذي رواه مالك وعلّقه البخاري في صحيحه "غطِّ فخذيك فإن الفخذ عورة "(٢) وما كان أقوى سندا أحق بالتقدم.

أمّا باعتبار المتن فتظهر أدلة من قال أنّ الفخذ عورة أقوى لأنّها أدلة قولية تقابلها أدلة فعلية، والقول مقدّم على الفعل حيث أنّ الفعل يدخله احتمالات من خصوصية وسهو وذهول بخلاف القول، وما لا يدخله احتمال أولى بالتقديم لقوته.

كما تظهر أدلة من يرى الفخذ عورة باعتبار الحكم أو المدلول أولى لكونها حاظرة (أي تفيد التحريم) في حين أنّ أدلة المعارض تفيد الإباحة ولا يخفي أنّ النّص الدّال على المنع مقدّم على الدّال على الإباحة لأنّ ترك المباح أهون من ارتكاب حرام.

ويمكن تحرير القول بين الترجيحين المتعارضين بأنّ حديث أنس رضي الله عنه وإن كان أصح سندا إلاّ أنّ دلالته محتملة للوجوه التالية:

1. أنّه محتمل للخصوصية ولغيرها من المحتملات.

2. أنّه لا يظهر من فعله (صلى الله عليه وسلم) التقصد والعمدية.

3. أنّه حادثة حال وواقعة عين لا عموم لها.

4. أنّه قبل ورود النهي عنه.

ولو لم تعكس عليه هذه الوجوه لكان الترجيح به أقوى وأولى، أمّا حديث جَرهد فيترجح باعتبار أنّه تشريع عام يلزم العمل به غير أنّ تقرير تحريم الفخذ من قبل الإتباع للأصل، لأنّ لكلّ محرّم حريماً يحيط به، " والحريم له حكم ما هو حريم له." غير أنّ الحريم أخفّ من المحرّم وعورة الفخذين أهون من عورة السوأتين، فالأولى عورة مخففة والثانية مغلّظة، ولذلك حرم الاختلاط والخلوة بالأجنبية لأنّها مقدمة الجماع، والجماع أشدّ تحريما من مقدماته فكان تحريمهما أشدّ للوقوع في الحرام، كالرّاعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، وحرم تخليل الخمر وإن كان لا يسكر لأنّه يفضي إلى السكر ويدعو إليه، فكذلك حرم النظر إلى الفخذ لاتصاله بالسوأتين، وهذه الحرمة منسحبة على حريمه كموشك حمى الحرام، وقاية له وسياجا مانعا حوله كما قال صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنّ لكلّ ملك حمى ألا وإنّ حمى الله محارمه"(٣).

والله أعلم؛ وفوق كل ذي علم عليم وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلّم تسليما.

الجزائر في : 5 جمادى الأولى 1417 هـ.

الموافق لـ: 15 سبتمبر 1996 م.

١- أخرجه البخاري كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ(371)، ومسلم كتاب النكاح (3563)، والنسائي كتاب النكاح باب البناء في السفر(3393)، وأحمد (3/537) رقم (11581)، من حديث أنس رضي الله عنه.
٢- أخرجه البخاري معلّقا كتاب الصلاة باب ما يذكر في الفخذ. قال الحافظ: (وحديثه موصول عند مالك في الموطأ والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وضعفه المصنف في التاريخ للاضطراب في إسناده، وقد ذكرت كثيرا من طرقه في تغليق التعليق) الفتح(1/720)، الترمذي كتاب الأدب باب ما جاء أنّ الفخذ عورة(3025)، وابن حبان كتاب الصلاة باب شروط الصلاة، ذكر الأمر بتغطية فخذه إذ الفخذ عورة، ومالك- من رواية أبي مصعب الزهري المدني- كتاب الجامع، باب ما يكره من الصدقة.

٣- أخرجه البخاري في «الإيمان» باب فضل من استبرأ لدينه (50)، ومسلم في «المساقاة» (4094)، وأبو داود في «البيوع» باب في اجتناب الشبهات (3330)، والترمذي في «البيوع» باب: ما جاء في ترك الشبهات (1205)، وابن ماجه في «الفتن» باب الوقوف عند الشبهات (3984)، والدارمي (2436)، وأحمد (17907)، والبيهقي (10537)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

__________________




بارك الله فيك واحسن اليك

معلومة قيمة ومفيدة شكرا لك وحصل فوائد اضافة بخصوص هذا الامر

نسال الله ان ينفعنا بهذا العلم