الحمدُ لله والصلَاة والسلَام على رسولِ الله وعلى آلهِ وصحبهِ ومن والاه
أما بعد :-
السلَام عليكم ورحمة الله وبركاته
– قوله تعالى " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ " [غافر:55] ، فيها أن الله جل وعلا وعْدُهُ حق ، وهذا الوعد لا شك أنه سيكون ؛ يعني ما وعد الله جل وعلا به حاصل لا محالة ، وما قدّره الله جل وعلا على العباد إما من ابتلاء ومصايب أو من تأخر موعود الله جل وعلا ، أو من بعض ما لا يؤنسهم في الدنيا ، هذا ليس إلى العبد إنما هو من الله جل وعلا ، والذي على العبد أن يسعى فيما أمر به شرعا ، وأن لا ينظر إلى ما يجعله الله جل وعلا قدَرا ، فثم شرع شرعه الله جل وعلا وهو أمر هذا نحن مكلفون به امتثالا له واتباعا وطاعة ، وأن ما يفعله الله جل وعلا ويخلقه ويقضيه ويقدره فهذا ليس إلينا ، قال جل وعلا " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ " [الروم:60]
وقال جل وعلا " فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ " [الأحقاف:35] .
بهذه الآيات جميعا تلاحظ فيها أن الله جل وعلا يصرف العباد عن رؤية ما قدّره إلى رؤية ما شرَعه ؛ يعني امتثالا واتباعا ، في آية سورة المؤمن هذه قال جلَّ وعلا " وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ " [غافر:55] ، قبلها قال جل وعلا " إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " [غافر:51] ، هذا وعد الله هذا وعد ، الذين آمنوا بنصر الله جل وعلا أنهم منصورون " وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الصافات:171-173] ، هذا وعد الله قال جل وعلا " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ " وعد الله بذلك حق وعليك الصبر ، ما الذي تؤمر به ؟ قال جل وعلا "وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ " والاستغفار والتسبيح في هذا الموضع ؛ يعني ملازمة الهدى وترك كل السيئات والبعد عن جميع ما لا يحب الله جل وعلا ويرضى ، فأمر بالاستغفار وبملازمته والاستغفار يحدث الطمأنينة ويحدث البصيرة وينزل توفيق الله جل وعلا على العبد ، فبالاستغفار يتّضح الأمر ، وبالاستغفار يقوى العقل ، لهذا يقول شيخ الإسلام رحمه الله ابن تيمية : " ربما استعصت عليّ المسالة في مسائل العلم فأستغفر الله ألف مرة حتى يفتح لي مغلقها" . يستغفر لأجل الفتح ، فبالاستغفار يتيسر الأمر ، موعود الله جل وعلا القدري لابد أن يكون ؛ لكن على العباد أن يسعوا في وسيلته ، ومن وسائله أن يكونوا مستغفرين لله جل وعلا ، واستغفار الله جل وعلا استغفار العبد ربه فيه أن العبد محتاج إلى ربه ، فيه أن العبد يستعظم لذنبه ، فيه أن العبد محتاج إلى ربه ، ففي الاستغفار عبوديات قلبية متنوعة ، الاستغفار فيه ذل العبد لربه ، الاستغفار فيه استكانة العبد وانكساره بين يدي ربه ، وفي التسبيح بعده ملازمة الهدى والطاعة قال عز جل وعلَا " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ " ملازمة الطاعة ، إذن فأنت مأمور بملازمة الطاعة ، وأما رؤية القدر متى يكون قدر الله متى يكون ما وعد الله جل وعلا به ، فهذا ليس لنا وإنما عليك وإليك الصبر لا غير . والله أعلم .
جزء من الشريط الثاني من مادة ( أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ) للشيخ صالح عبد العزيز آل الشيخ – حفظه الله تعالى – .