بسم الله الرحمن الرحيم
موعظةٌ بليغةٌ من العلاّمةِ العثيمين -رحمهُ اللهُ تعالى- عن القرآن ِالكريمِ؛ عملاً وتلاوةً وحفظًا:
"عباد الله! هذا كتاب الله يُتْلَى بين أيديكم ويُسمع! وهو القرآن الذي لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا يتصدّع!
ومع هذا؛ فلا أذن تسمع! ولا عين تدمع! ولا قلب يخشع! ولا امتثال للقرآن فيُرْجَى به أن يَشْفَع!
قلوب خلت من التقوى فهي خراب بلقع!
وتراكمت عليها ظلمة الذنوب فهي لا تبصر ولا تسمع!
كم تُتْلَى علينا آيات القرآن وقلوبنا كالحجارة أو أشد قسوة،!
وكم يتوالى علينا (شهر رمضان) وحالنا فيه كحال أهل الشقوة!
لا الشباب منا ينتهي عن الصبوة!
ولا الشيخ ينتهي عن القبيح فيلحق بأهل الصفوة!
أين نحن من قوم إذا سمعوا داعي الله أجابوا الدعوة؟!
وإذا تُلِيَتْ عليهم آياته وجلت قلوبهم وجَلتْها جَلْوَة؟!
أولئك قوم أنعم الله عليهم فعرفوا حقه فاختاروا الصفوة!
قال ابن مسعود رضي الله عنه:
"ينبغي لقارئ القرآن أن يُعْرَف بليله إذ الناس ينامون , وبنهاره إذ الناس يُفْطِرون ,
وببكائه إذ الناس يضحكون, وبورعه إذ الناس يخلطون، وبصمته إذ الناس يخوضون!! وبخشوعه إذ الناس يختالون, وبحزنه إذ الناس يفرحون"!
يا نفس فاز الصالحون بالتقى … وأبصروا الحق وقلبي قد عَمِي!
يا حسنهـــم والليل قد أَجَنَّهُمْ …. ونورهم يفوق نــــور الأنجمِ!
تَرَنَّمُوا بالــــــذكر في ليلــهمُ ….. فعيشهم قد طــاب بالـتَّرَنُّمِ!
قلوبهم للذِّكر قــد تفَرَّغَــتْ …. دموعـــــــــهم كلـــؤلـــــؤ مــنتظمِ!
أسحارهم بنورهم قد أشرقت … وخِلَعُ الغفــران خير القِسَمِ
قد حفظوا صيامهم من لغوهم … وخشعوا في الليل في ذكرهِمِ
ويحكِ يا نفس ألا تَيَقَّظِـي؟! …. للنفع قبل أن تَزِلَّ قــدمي!
مضى الزمان في تَوَانٍ وهَـــــوًى … فاستدركي ما قد بَقِي واغتنمي
إخواني!
احفظوا القرآن قبل فوات الإمكان!
وحافظوا على حدوده من التفريط والعصيان!
واعلموا أنه شاهد لكم أو عليكم عند الملك الديان!
ليس مِنْ شكر نعمة الله بإنزاله أن نتخذه وراءنا ظهريًّا!
وليس من تعظيم حرمات الله أن تُتخذ أحكامه سخريًّا:
{وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا}
{يَاوَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا}
{لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَارَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 27 – 31] .
اللهم ارزقنا تلاوة كتابك حق التلاوة، واجعلنا ممن نال به الفلاح والسعادة، اللهم ارزقنا إقامة لفظه ومعناه،
وحفظ حدوده ورعاية حرمته، اللهم اجعلنا من الراسخين في العلم، المؤمنين بمحكمه ومتشابهه، تصديقًا بأخباره وتنفيذًا لأحكامه،
واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين"
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين -رحمه الله-
(20/272)